وقفة على عتبات الحلم.. وماذا قال فؤاد حداد؟


د. علي منصور

وجهك يسكن وجهي
وجهك وجهي
يتسلق أكتاف العمر، كلبلابة
يترقرق في صحراء الزمن ربيعا
يتفتح غابة
يأوي زقزقة العصفور فتطرح عشا
وصحابة.
ها أمتلك الدنيا بيميني
وأغني أغنية خلابة.
وفؤادي يكبر، يكبر، يدخل فيه العالم
للعالم نبض،
      إبهام،
      سبابة.
وشراييني أوتار ربابة
آهٍ، يا عشاق العالم،
أغنية العالم خلابة .
......................
 (عن قصيدة: عيناك والكفان )*
فؤاد حداد                                                            
هذه قصيدة طيبة ، تقول معنى طيبا، وأحسن ما فيها ، جزؤها الأول، وهو التراوح الحلو بين القوافي وعودتها المشوقة كل حين الى السين المطولة بالسكون، وهى بين الحروف بحترية، يأسى لها القلب والأذن ، تديم نظرة الناعسة الوسنانة ، وتوقظ بالهمس الشجى، وقد تسر الأسى، وتسيل أحيانا كنهر من عسل، وتلمس في الإنسان وترا كأنه شد إلى سماء تغني.
والصور والأخيلة في هذا الجذء قد تظن صعبة ، وهى في الحقيقة سهلة ومواتية ، وقد يمدح ذلك وقد يذم، أما أنا فقد أرتاح إلى نشوة الاختلاف في إيحاء الكلمات، وما كنت أريد شيئا آخر
وصدمت بقول الشاعر:
(تموت الذاتية بين النفس وبين النفس)، وكان أحرى بهذا المعنى المحبب إلى قلب شاعر وعاشق وفنان أن يجىء فى ثوب أجمل ليسطع في النور ، كما سطع من قبل على لسان رابعة العدوية: (أنا من أهوى ومن أهوى أنا)، وأعلم أن قول رابعة قد أعجز كل  الشعراء من بعدها ، ولا أريد أن أعجزك ، بل كان في مقدورك أن  تعيد هذا المعنى كما أعادوه في يسر وبساطة بألفاظ لا ينفر الشعر منها عندما تقترن ببعضها البعض. وأعجب بعد ذلك لتكرارك بيتين، كل بيت ثلاث مرات . والتكرار كما تعلم أقرب أنواع الإيهام الشعري، ولا أقول أضعفها ، لأني أوثر دائما أن أتجنب الأحكام المطلقة في الشعر. ولعلك توافقني على أن  هذا التكرار المتلاحق يتنافى مع هندسة الجمال الفني وتناسب الأجزاء.
فإما أن يكون هناك بيت قوى يتحتم تكراره، والبيت القوى واحد، وإثنان كثير. وإما أن تكون قد أردت الضغط بالتكرار لقلق في نفسك لم تتبينه،  كان يكفيك أن تفعل مرة واحدة. وأعلم أن كل شاعر يجب أن يتمرس بالقدرة على الإختيار والحذف، وأعود فأقول أن هذه قصيدة طيبة ، تقول معنى طيبا ، وأحيك على  صورها الدافئة، والعشق الذي يقطر الندى والصبابات والقوافي المؤنسة، وأصلي معك للزمن القادم في عينيها الضاحكتين.
......................
(عيناك والكفان)* القصيدة منشورة من قبل في جريدة الرؤية وفي الديوان الأول للشاعر علي منصور،  وهذه الإطلالة النقدية منشورة بمجلة (صباح الخير) – العدد : 1068 – الخميس 24 يونيو 1976

 

تعليق عبر الفيس بوك