الدكتور محمد المحروقي..قضية رأي عام

 

زاهر بن حارث المحروقي

تحوّلت قضية الدكتور محمد المحروقي الأكاديمي بجامعة نزوى إلى قضية رأي عام؛ بعد أن تعاطف معه الكثيرون وأعربوا عن تضامنهم معه، عبر وسم في تويتر حمل اسم "#متضامن_مع_الدكتور_محمد_المحروقي"، وذلك بعد التغريدة التي كتبها الدكتور محمد في صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، منتقدًا تأخر الجامعة في دفع رواتب الموظفين لشهرين، ثم أعلن بعد ذلك أنه في أعقاب كتابته للتدوينة بيوم تم إنهاء عمله بالجامعة.

تتعدّد الدروس التي أثارتها قضية الدكتور محمد المحروقي؛ لذا يحقّ لنا أن نسمِّيها قضية عامة. ويمكن أن نمرّ سريعًا على الدروس المستفادة من القضية، فكلُّ درسٍ يحتاج إلى مقال مستقل؛ وقد تكون أبرز الدروس المستفادة هي أهميةُ تكريم المخلصين والمبدعين في المجالات كافة؛ فالدكتور محمد أحد الأكاديميين العمانيين الذين لهم مساهماتٌ ومشاركاتٌ في العديد من الفعاليات لإبراز عُمان والدفاع عنها، ومنها "الأيام الثقافية العمانية في جزر القمر"، و"ندوة المهلب بن أبي صفرة"، و"ندوة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي"، هذا غير نشاطه في مركز "الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات الإنسانية بجامعة نزوى"، وغير مؤلفاته وأبحاثه في الشأن العماني عامة. وسواء كانت الإقالة بسبب التغريدة أم بسبب آخر، فإنّ هذا لا ينفي أهمية تسليم رواتب العاملين أولاً بأول، فهذا حقٌ من حقوقهم؛ ولا عيب في أن يطالب الإنسان بحقّه، لذا فإنّ ما حدث من إدارة الجامعة من ردود الأفعال لم يكن مبررًا بتاتًا، لأنّ قضية تأخر دفع الرواتب في الجامعة مسألة تكررت كثيرًا، وتم النشر عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مرة.

ومن الدروس المستفادة في هذه القضية، أنها تفتح المجال للنقاش من جديد عن الدور المطلوب من الأكاديميين العمانيين؛ وهو الموضوع الذي سبق وأن طرحتُه في جريدة "الرؤية" تحت عنوان: "الأكاديميون ودورهم المفقود"؛ فنحن الآن في عمان - ولله الحمد – لدينا أكاديميون مشهودٌ لهم بالكفاءة، والظرفُ الوطنيّ يحتِّم ضرورة الاستفادة منهم ومن علمهم وثقافتهم لخدمة المجتمع، حيث تتاح لهم الفرصة التامة لخدمة المجتمع ولتقديم رؤاهم وأفكارهم حول القضايا الوطنية التي تشغل الناس - وما أكثرها الآن -، فهي قد وصلت إلى مرحلة التحديات. والدولُ أساساً لا تنهض إلا بفكر مفكريها، ويأتي الأكاديميون في المقدمة، لما يحملون من فكر وثقافة، أو أنّ هذا هو الذي يجب أن يكون. وليس المقصود بالاستفادة من الأكاديميين هو تعيينهم وزراء أو وكلاء؛ فهناك مجالات كثيرة يمكن أن يساهم فيها الأكاديمي في بناء الوطن والحفاظ عليه، وأن يُدلو بدلوه في قضايا الوطن، كلٌ بحكم خبرته وتجربته؛ فالاكتفاءُ بالمحاضرات في قاعات الدراسة فقط، لا يُعتبر جهدًا، لأنّ تلك وظيفة يؤدِّيها أيُّ موظف في أيِّ قطاع عام أو خاص، "في وقت أصبحت فيه الجامعات ومراكز البحث العلمي، وسيلتين لتقديم الحلول المعقدة للمجتمعات الكبيرة"، حسب رأي الأكاديمي الدكتور محمد صابر عرب. والمطلوب أن يكون للأكاديميين العمانيين نشاط ودور في المجتمع، وأن تتاح لهم الفرصة لذلك، مع أهمية خروجهم من قوقعتهم التي ألزموا بها أنفسهم تحت حجج مختلفة.

ونأتي الآن إلى درس آخر مستفاد أراه جوهريًا؛ وهو محاولة البعض الاصطياد في المياه العكرة. فبعد إطلاق الوسم دخل ما يُعرف بـ"الذباب الإلكتروني" في الوسم، لا ليتضامن مع الدكتور؛ بل ليبث سمومه؛ حتى وإن كانت هذه السموم من السذاجة بمكان، ومن الكذب الصريح، مثلما كتب أحدهم أنه تم اعتقال الدكتور محمد وربما تم نفيه، مع الكثير من الألفاظ السوقية؛ لكن الكذب كان أكثر وضوحًا في إحدى التغريدات التي قال صاحبها إنه يعرف الدكتور شخصيّا وهو الآن منفي هو وأسرته خارج عُمان. وتم التحفظ على جميع ممتلكاته داخل السلطنة. ولا بأس أن نواصل حبل الكذب؛ حيث كتب أحدهم عن اندلاع مظاهرات في مسقط. ولقد كان الدكتور محمد المحروقي على مستوى الحدث إذ أعلن أنَّه "لا صحة إطلاقًا لهذه التغريدات المغرضة. أنا وأسرتي في دبلن بإيرلندا نستمتع بالإجازة الصيفية، وبلدي شعبًا ومسؤولين متضامنون معي، أموري طيبة، وما حدث عارض سيتم تجاوزه بالحكمة العمانية المعروفة. حفظ الله عُمان شعبًا وقيادة".

توهّم من يُطلقون هذه الأكاذيب والشائعات أننا في عُمان، تحكمنا قوانين تشبه قوانينهم، ومثلما يحدث في بلدانهم التي تضيق ذرعًا بالنقد، وتضيّق الخناق على كلِّ رأي مخالف للتوجهات الرسمية، فيُعاقَبُ من يتعاطف مع الشعب القطري أو اليمني بسجن قد يصل إلى خمسة عشر عامًا؛ فها نحن ننشر أكاذيبهم عبر صحفنا؛ فهل يستطيعون هم أن ينشروا عن الإجرام الذي ارتُكِب في حقِّ اليمنيين، وعن التفريق بين المرء القطري وزوجه، وعن اعتقالات أصحاب الرأي. وهي وقائع حقيقية؟!

تأتي تلك التغريدات وغيرُها في وقت يتحدّث العالم عن النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية العمانية، خاصة بعد زيارة معالي يوسف بن علوي لأمريكا. وموضوع الدكتور محمد المحروقي هو شأنٌ داخليّ بسيط جدًا؛ إلا أنّ من يحاول العبث بالأمن الداخلي العُماني، يتوّهم أنه قد ينجح في ذلك، وأنّه باستغلاله "الذباب الإلكتروني" قد يمكنه تحقيق طموحاته؛ وفي النهاية هي أوهامٌ، مع وجوب الحذر، وألا يتم إعطاء الفرصة لمثل هؤلاء يأن يتدخلوا في شؤوننا الداخلية؛ وذلك بالعمل على حلِّ المشكلات التي يُعاني منها المجتمع العماني، وعلى رأسها قضية إيجاد العمل للعمانيين؛ وهي القضية التي يتم استغلالها كثيرًا في الخارج.