القرية العُمانية كقرية سياحية

زينب الغريبية

تُعد السياحة بالفعل قطاعا اقتصاديا نشطا يحقق قفزات اقتصادية لكثير من الدول التي بدأت تنتعش قدراتها على الجذب السياحي، ليس بواسطة البنية السياحية الحديثة من فنادق فخمة وحديثة، وشركات سياحية...وغيرها من المقومات، ولا بواسطة الطبيعة والجو؛ لأنه إن كانت تمثل مناطق جذب لفئة معينة من السياح، فإنها ليست كذلك لسياح مناطق أخرى؛ لذا علينا أنْ نتأمل في سياستنا السياحية، وما هي أنماط السياحة التي يمكن أن نتبناها ونستثمرها حتى نرفع من نسبة الجذب السياحي لدينا.

حين نتأمل في القرى العمانية المتناثرة في مختلف المحافظات، نجد أنها تتمتع بوسائل جذب سياحي منقطعة النظير، فقط تحتاج إلى تسويق احترافي، أو تأهيل لبعض الجوانب فيها حتى يجد فيها السائح ما يجعله يعايش الهوية العمانية، وعاداتها وتقاليدها ونمطها اليومي على أرض الواقع وفي داخل القرية الحقيقية نفسها، ليس تلك التي تكون مصطنعة في المهرجانات، ففي القرى العمانية يظهر الجانب التاريخي المتمثل في الحصون أو البيوت القديمة التي يمكن أن تحول إلى متاحف للقرية يزورها السائح ليطَّلع على بعض من تاريخ إنسان هذه القرية وتطور الحياة فيها، وفيها تُوجد بيوت قديمة بعضها متصل أو قد يجتمع في أماكن متقاربة؛ مما يعني تحويلها بعد ترميمها إلى حارة تراثية بها مطاعم ومقاهٍ وأماكن لبيع منتوجات القرية المختلفة الزراعية والصناعية، وفي القرية توجد بيوت تقع في أماكن مناسبة يمكن أن تحول إلى أماكن إيواء تتيح للسائحين العيش وسط القرية والتجول فيها ومشاهدة طبيعة الإنسان والاقتراب منه والحوار معه، وفيها أيضا المزارع والواحات وعيون الماء التي يمكن أن يستمتع السائح بالاغتسال فيها، وفيها المجالس القديمة والجديدة، والتي يمكن أن تستثمر في تعريف السياح بالمجلس وعاداته وآدابه ووظيفته؛ لذا فنحن أمام فرصٍ كبيرة لبلورة قرى سياحية طبيعية تختلف عن تلك القرى السياحية المعاصرة، وأتصور أن السائح طوَّاق لمعايشة القرية الحقيقية.

والسؤال الذي أطرحه هنا: ما الذي سوف تستفيده القرية العمانية من السياحة؟ وهو سؤال مرتبط بالعائد الاقتصادي، وفي الواقع العائد لا يرتبط بالاقتصاد فقط؛ فهناك عائد ثقافي على البلد ككل من خلال التسويق للهوية العمانية، والهوية كما نعرف اليوم عامل محرك لأخذ القرارات السياحية، وإذا عدت إلى العائد الاقتصادي، فإنه بلا شك سيكون فوق ما يتوقع الجميع؛ حيث سيوفر مداخيل متعددة لسكان القرية؛ سواء مِمَّن يقدمون مراكز الإيواء، أو الذين يقدمون الخدمات للسائحين، أو أصحاب الصناعات المختلفة، أو المرشدين السياحيين، سوف يتزايد الطلب على وجبات المطبخ التقليدي العماني، وازدياد الطلب عليه سوف يمنحه ظهورا وقوة، كما ستتنامى متاجر البيع بالتجزئة، وكذلك سيزاد الطلب على المنتجات الزراعية والصناعية الحرفية، وستمنح هذه السياحة انتعاشة لفرق الفنون الشعبية؛ حيث يمكن إقامة مهرجانات في هذه القرى يستمتع بها السياح بالفنون الشعبية العمانية، كما سيعطى هذا فرصة لتسويق الرياضات الشعبية العمانية والألعاب المختلفة المرتبطة بها.

هل يمكن أن يكون ضمن الخطة السياحية تحديد خمس قرى ذات خصائص يمكن أن تكون منطلقا لتأهيلها لتكون قرى سياحية طبيعية؟ والبدء في تقديم تصور لها لتقديم جوانب التأهيل اللازمة لها بالتشاور مع السكان المحليين، وتقديم دراسة جدوى متكاملة حولها، والموسم المناسب للسياحة بها؛ سواء للسياح الخارجيين أو الداخليين؛ بحيث يعطى المستثمرون المحليون الفرصة لاستثمار أموالهم والمساعدة في تسويق قريتهم بتسهيلات من الجهات المعنية، على أن يكون كل العمل مبنيا على ما تملكه القرية من مقومات يحافَظ فيها على الجانب التقليدي؛ لأن هذا الجانب هو الذي يجذب السياح إلى مثل هذه المناطق، ويضع في حسبانه فائدة أهل المكان وما يعود عليهم.