عُمان.. ودبلوماسيّة السلام

فايزة الكلبانية

أرسى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- منذ بداية عصر النهضة نهج السلام ليكون أبرز أركان الثوابت العمانية التي لا يمكن الحياد عنها، فهو نهج أصيل وراسخ.. وعلى مدى عقود نجحت الدبلوماسية العمانية في حلحلة العديد من الملفات الشائكة لتجنيب المنطقة شرور الحروب ونزع فتيلها، وعلى رأس هذه الملفات الملف النووي الإيراني.

ويؤكّد جلالته- أيّده الله- دائما أنّ نشر السلام هو غاية وهدف الدبلوماسية العمانية، وتجلى ذلك في الكثير من الخطابات السامية؛ حيث قال جلالته في العيد الوطني الرابع عشر: "انطلاقا من حرصنا الدائم على استتباب الأمن والسلام.. فإننا نناشد ونحث القادة والمسؤولين في كافة بلدان العالم؛ ولا سيما في الدول العظمى على العمل بإخلاص وجدية، لتخفيف التوتر الدولي، والإسراع إلى حل المشاكل التي تعاني منها البشرية في مختلف ربوع العالم؛ حتى يتجنب المجتمع الدولي ويلات الحروب والدمار، ويسود التعايش السلمي القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير". ولذا يحق لكل مواطن عماني أن يفخر بما تحرزه الدبلوماسية العمانية من تقدم في علاقة إيران مع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فقد حرصت السلطنة على أن يسود السلام والهدوء في منطقتنا، ولا أدل على ذلك من جلسات المباحثات التي أجراها معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية مع كبار المسؤولين في الولايات المتحدة، منهم معالي جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي، ومعالي مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، وهي اللقاءات التي استقطبت اهتمام مختلف وسائل الإعلام حول العالم، فضلا عن مناقشات وسائل التواصل الاجتماعي وتحليلات المراقبين. وقد أدلى معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بتصريحات حكيمة كشفت الجهود الحثيثة التي تقوم بها السلطنة من أجل تهدئة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، فبحسب تصريحات نشرتها وكالات الأنباء فقد أكّد بن علوي أنّ السلطنة "مستعدة لتقديم المساعدة لتجنب الصراع بين إيران والولايات المتحدة"، كما ردّ معاليه على ما تمّ تداوله عبر وسائل الإعلام عن أنّه يحمل رسالة من إيران إلى أمريكا؛ حيث قال بن علوي "ليس لدينا رسالة من أحد، سواء من الإيرانيين أو من الإدارة الأمريكية، لكن في اعتقادي من الممكن أن يبدأ حوار، وأعتقد أنّ الطرفين بحاجة وسط خضم هذه الانشغالات إلى أن يجدوا الفرصة في ألا يدخلوا في صراع غير مفيد لهم أو للمنطقة".

نتائج الزيارة العمانية إلى الولايات المتحدة، ستكون مطمئنة للجميع، فمن المؤكد ألا أحد يريد اشتعالا في المواقف، أو مزيدا من الاضطرابات والتوتر في المنطقة. وربما يأتي إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه مستعد "للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني دون شروط مسبقة" كنتيجة للجهود العمانية في تقريب وجهات النظر وإزالة أي معوقات تعرقل الاحتكام للغة العقل والبعد عن عبارات التهديد والوعيد من الطرفين.

جانب آخر من فاعلية الدبلوماسية العمانية المتوازنة والهادئة، يتجلى في إعادة التأكيد على العلاقة الدفاعية بين السلطنة والولايات المتحدة، كما جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية دانا دبليو، التي كشفت أن لقاء بن علوي مع وزير الدفاع الأمريكي ناقش مجموعة واسعة من قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك الصراع في اليمن، وحرية الملاحة، والتعاون المتعدد الأطراف لمكافحة الإرهاب، كما تم بحث العلاقات الثنائية الجيدة والتاريخية بين البلدين على مختلف الأصعدة، وآليات العمل المشترك بين البلدين بغية تعزيز أواصر العلاقات العمانية- الأمريكية في شتى المجالات، فضلا عن مناقشة عدد من الملفات السياسية ذات الاهتمام المشترك على المستويين الدولي والإقليمي. كل ذلك يؤكد مدى التقدير الأمريكي للدولة العمانية بقيادتها الحكيمة، وقدرتها على نشر السلام وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

إننا ومنذ انبلاج فجر النهضة المباركة، نعيش مشاعر الفخر والاعتزاز يوما بعد يوم لما تحظى به عماننا الحبيبة من سمعة ومكانة دولية مرموقة، وما يزيد فخرنا شموخا حين يكون لقائد عمان الذي حاز على لقب "رجل السلام" هذه الحكمة والحنكة في إدارة وتوجيه أكثر الملفات صعوبة وتعقيدا وخطرا على منطقتنا، والتي تمتد يوما بعد يوم مهددة بحروب لن تفيد أحدا، فليس من الحكماء من يرغب في اشتعال الموقف.

وختامًا؛ فإنّ السياسة الخارجية العمانية كانت ولا تزال وستظل دائما موضع تقدير واحترام وثقة من جميع الأطراف، فعُمان لم تكن يوما طرفا في صراع، ولم تتبنْ أي موقف عدائي أو تتخندق مع طرف ضد آخر، بل ظلت دوما نموذجا يحتذى به من الاعتدال والحكمة بفضل رجل السلام قابوس المعظم.

 

faiza@alroya.info