برنامج استفهام.. قراءة في المشهد السياسي


وئام قشوط - ليبيا


لايزال التجـاذب السياسـي أحـد أبـرز مـلامــح  الــحياة  السياسية الليبية، يـمـكن  رصد ذلك مــن مــسار إلـى آخــر، كــلـما  أقــبل  الــمـشهـد  السياسـي أعــتـاب مـرحـلـة  جـديـدة، يـقابـله  تداعيـات الـتـجاذبـات الـسـلبية، فما إن  ظهرت  مـسِودة  الدستور للنور، حتى أخـد الانـقسـام طـريقـة بـين مـؤيـد ومـعـارض، وما إن طالبت بعض القوى السياسية الوطنية بإجراء  انتـخابـات رئاسية برلمانية حتى ظـهـرت الانقسامات،  يمكن تحليل هذه المدخلات كل على حده
الاتجاة  الأول: الدستور أولاً - الاستفتاء الدستوري.
الاتـجاه التاني: الانتخابات الرئاسية البرلمانية يرى بضرورة انتخابات رئاسية مشروطة بعودة الأمان والاستقرار.
الاستفتاء الدستورى الكثيرين من الفقهاء القانويين والدستوريين، والمحللين وأعضاء الهيئة التأسيسية، يعتقدونه الحل؛ بل وركيزة هامة من ركائز الديموقراطية وسيادة القانون، وهو كذلك بلا أدنى شك، لكن هل الوضع فى ليبيا حاليا يقبل أي انتكاسات جديدة؟!
لربما المتتبع لهذا القول يتساءل عن مفهوم هده الانتكاسات؟
إن المناخ العام فى ليبيا يحكمه التخبط والارتباك وعدم اليقين وهو أمر ليس وليد الصدفة، والاستفتاء بهذه المرحلة حادة الانقسام سيقود الحياة السياسية في ليبيا ربما لانتكاسة يصعب معها الحديث عن أي حلول سياسية، أو تمكين للديموقراطية وربما أيضا يمثل ضربة بمقتل لمشروع الدستور الذي ينظم الحياة السياسية والمدنية المشروع الذي  طالما انتظرناه جميعا.
قليلاً أولئك الذين قاموا بدراسات وتوقعوا نتيجة الخيارات المتاحة، فقد نتعلم من الأفكار التي لا تعجبنا مصدقاً لقول المفكر السياسي - هيغل -: البعض اتبع الدوغمائية كمنهجية لمناصرة قضايهم وصرح بالتصويت على الاستفتاء بنعم دونما قراءة الدستور، إلا أن ما يلفت الانتباه فى تناول هذا الانقسام برنامج حواري بعنوان استفهام حيث تناول مواضيع الدستور، والانتخابات، واتفاق باريس بحيادية وعقلانية، فقد قام برنامج (استفهام) بإماطة اللثام عن تعدد الأفكار والحلول والرؤى من خلال مجتمع النخبة السياسية الليبية، وكانت بعض الحلقات بمثابة جهود بحث علمي وسيمنار عصف ذهني عقب كل استفهام، وخلال إحدى الحلقات وربما هي الحلقة الثالثة من نوعها، تطرق باحث أكاديمي من جامعة طرابلس إلى العديد من التوقعات وكان قد اشتمل الحوار على جل التوقعات، وبقي توقع وحيد قدمه برنامج استفهام.
وكان السؤال المحوري: ماذا لو ذهبنا بالاستفتاء الدستوري ولم تقبل المكونات السياسية بنتائج الاستفتاء؟
وهنا مدخل الحديث عن الانتكاسة التى تسبقها ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية الليبية ألا وهي ظاهرة التمظهر الديموقراطي وعدم قبول بالنتائج.
فعندما تم صياغة وكتابة هـذا الدستور افترض وجود هيئة أو سلطة حاكمة تــلزم الأطـراف   لقبول نتائج الانتخابات ودعم المسار الديمقراطي من خلال دستور يضمن الحقوق والحريات والتدوال السلمى للسلطة، وبذلك فقد سبق وجود السلطة الدستور كما جاء فى مسودة هذا الدستور.
السلطة الحاكمة الحالية منقسمة بين شرق وغرب ليبيا إذا لا توجد سلطة على كامل التراب الليبي. وبذلك فإن فرضية وجود سلطة حاكمة  فرضية لا تحاكي الواقع.
إن أسلوب الاستقصاء الحر في برنامج استفهام قدّم السناريو المحتمل بما ستؤول له الأوضاع فى حال فشل الاستفتاء، وفشل مشروع الاستفتاء هو فشل لمشروع وطني قومي، قد يُدخل الجميع فى فوضى وانفلات أمني مماثل لسنة 2014 عندما لم يقبل المؤتمر الوطني بنتائج انتخاب البرلمان ونعود لمفاوضات مماثلة لاتفاق الصخيرات الذي أخفق في إنتاج حكومة توافقية تمتلك الشرعية على كامل أجزاء التراب الليبي. إنها اتفاقات هشة تقودنا للمعادلة الصفريه المحتمة.
ولايقف الأمر عند حد الانتخاب واحترام نتائج هذه الانتخابات، إنما لاعتبارات اللحظة الدستورية لها حسابتها أيضاً حسب تقدير المبعوث الأممي غسان سلامة حيث وصف الواقع فى إحاطتة الأخيرة بأن الليبين أوشك صبرهم على النفاد، وإن ليبيا فى مرحلة عصيبة.
إن اللحظة الدستورية التى تطرق لها أحد أعضاء الهيئة التأسيسية خلال مضمار حوارات برنامج استفهام، يمكن القول عنها باختصار وتبسيطا لنظرية اللحظة  الدستورية - باللحظة التاريخية التى يستطيع فيها المواطنون - على اختلافهم - أن ينجزوا إنجازا نضاليا على أرض الواقع يحتاج إلى أن يتم تسجيله فى وثيقة وطنية من جهة، كذلك ترجمة هذا الإنجاز إلى مبادئ وقواعد وآليات يتمُّ العمل بها على مدى زمنى مستقبلي.
هذا الانجاز والاستحقاق الدستوري الوطني يحتاج لمناخ ديموقراطي يتوقف على مدى توفر الحرية في ممارسة الشعب حقه في الانتخاب، وهو الأمر المفقود بهذه الحقبة التى تتسم بالعنف والفوضى وحرق حقول النفط.
وبالتمعن والتدقيق بالاتجاه الثاني ألا وهو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أولاً؛ فإن هذا الاتجاه يرى بضرورة المضي قدماً بتنصيب رئيس  للبلاد في انتخابات رئاسية برلمانية  مقررة فى ديسمبر القادم، وهذا الاتجاه يدعمة المبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة والاتحاد الأوروبي، والمستند إلى اتفاق باريس الذي جاء لتحريك المياه الراكدة كما وصفه منظميه وهو يشمل سبعة بنود يتصدرها وضع الأسس الدستورية للانتخابات، واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول الـ 16 من سبتمبر 2018، مع إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العاشر من ديسمبر 2018، مع مراعاة التحضير للانتخابات على نحو جيد مع جميع المؤسسات الليبية، والمشروطة بعودة الاستقرار والأمان. إلا أن ما يُؤخذ عليه عدم وجود ضمانات للتدوال السلمي للسلطة من جانب البرلمان الذى سينتخب؟
وذلك يقودنا للبند الأول من الاتفاقية  للعودة والبحث عن القاعده الدستورية التى إما ستعتمد على الإعلان الدستوري، أو القانون والعرف الدستوري الدولي والمضي قدماً للشروع بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
بالمحصلة يمكن تلخيص اللحظة الحالية للاتجاهين بالتالي:  
الاتجاة نحو الاستفتاء الدستوري  بهكذا مناخ مشحون ومتجاذب وهو انتحار دستوري ونكسة وطنية يصعب تقدير سوء تباعتها. وإما الانتخابات الرئاسية البرلمانية  وهى مجازفة محفوفة بالعراقيل.

 

تعليق عبر الفيس بوك