لكي تكون مواطنا صالحا!

 

د. سيف بن ناصر المعمري

 

المواطن في حد ذاته لا يمثل خطرًا حين يكون مخلوقا طائعًا لا يرى ولا يسمع، ولا يبالي بأي شيء يحدث في وطنه، لكنّه يصبح خطرا وتبدأ وطنيّته تضعف حين يبدأ في الخروج من دائرة اللامبالاة، وترتفع لديه درجة الاهتمام بما يجري في وطن.. لا أعرف لماذا الوطنية في مجتمعاتنا تتضارب معانيها عمّا يجري في المجتمعات الأخرى المتقدمة التي عرفت المواطنة قبل أن نعرفها بقرون.

إن كنت لا تعرف تمجيد مسؤوليك كل يوم، ولا تجيد تضخيم ما يقومون به، وتنتقد الأخطاء التي يرتكبونها في المؤسسات التي يديرونها، وتسعى لأن تكون أمينا معهم فتبدي رأيك بإخلاص لهم ودون دبلوماسيّة، فاعلم أنّك مواطن غير صالح لأنّ الصلاح في عرفهم أن تحكم على النوايا لا على الأفعال والممارسات والنوايا التي يحملها هؤلاء لا يعلمها إلا رب العالمين فثق فيهم من باب ثقتك بربك، وأفضل بين النوايا والأفعال، وقدر اجتهاداتهم محاولاتهم حتى لو لم تثمر إلا الإشكاليات، حتى لو لم تقود إلا إلى جعل المؤسسة محطة تجارب ومحاولات.

إن كنت تتمرد على الأوامر غير المنطقية التي تأتيك من مرؤوسيك، أو تناقشهم في الأعمال السطحية التي تسند إليك ولا تحقق أي شيء إلا تضييع الوقت والجهد، أو كنت ترفض أن تلغي اسمك من الأشياء التي تنجزها لكي تنسب الفضل في أدائها لمسؤوليك الصغار أو الكبار، فأنت مواطن غير صالح لأنّ نقاشك أو اعتراضك يعني تشكيك في حكمة مرؤوسيك وعصمتهم من أي أخطاء، والصلاح يتطلب الإيمان بهذه الحكمة حتى لو كان ذلك على حساب المؤسسة والعمل والمصالح الوطنية.

إن كنت تسعى إلى ترشيد النفقات في الأعمال التي تنجز داخل إطار عملك، فتعترض على مهام رسميّة لا تحقق أي نتائج وتستقطع كثيرا من الأموال العامة، لو كنت تعترض على مشاريع ذات كلفة عالية أو مشاريع ليست ذات أولوية، أو كنت تطالب بعدم استئجار مباني للمؤسسات بملايين الريالات أو تطالب بعدم استئجار قاعات الندوات والمؤتمرات أو بمنح علاوات لأعضاء اللجان الكبرى والصغرى التي تقوم بأعمال هي من صميم عملها لا زيادة عليها، فأنت مواطن غير صالح لأن الصلاح يتطلب الثقة في من ينفقون هذه الأموال وفي من ينتفعون بها، طالما تصرف بطريقة قانونية، المهم قانونية الصرف لا منطقيته، الصلاح يتطلب منك أن تشيد في المشاريع التي تنتج من الصرف وفي الأداء الذي يقود إليه لا في الكلفة المبالغ فيها إن كنت تكتب بحرقة عن الإشكاليات التي تعاني منها مختلف القطاعات، وعن جوانب الإهمال التي تعيشها بعض المؤسسات، وعن المحسوبيات التي يمارسها بعض متخذي القرار باختلاف مستوياتهم، وعن سوء توظيف السلطة، وعن تكوين الشلل الإدارية، وعن عدم تقييم أداء المؤسسات وعن الرقابة وتحدياتها فأنت مواطن غير صالح، لأنّ الصلاح يتطلب الإشادة بما يتحقق لا بما لا يتحقق نتيجة الإهمال وعدم الجدية، الصلاح يتطلب إظهار الموجود لا الحديث عن المفقود، الصلاح يتطلب الإيجابية وما تقوم به حتى وإن كان مهما لبلدك إلا أن يعد سوداوية.

إن كنت تتكلم عن حقوق المواطنين والموظفين البسيطة، عن توظيف العاطلين منهم، عن تمكينهم كمواطنين في القطاع الخاص، عن ترقياتهم وأهميّتها لهم، عن تخفيض الضرائب عليهم، عن تحسين الخدمات المقدمة لهم، عن تيسير تواصلهم مع متخذي القرار، عن استثمار مواهبهم وإمكاناتهم وعن أهميّة الحرص على حاضرهم ومستقبلهم، فأنت مواطن غير صالح لأنّ الصلاح يتطلب ألا تتكلم إلا عن واجبات المواطن عن تأثيره السلبي على التنمية، عن عدم وعيه وجحوده وعدم استشعاره لتفاني الجميع في خدمته.

إن كنت ترغب في أن تكون مواطنا صالحًا. فلا تفعل الصلاح الذي يعرفه العالم وتؤمن به، ولكن تماشى مع الصلاح الذي يحدده مجتمعك والقوى المختلفة الفاعلة فيه. وعليك ألا تخلط بين النوايا والعمل، ولا بين قادة المؤسسات والمؤسسات ولا بين الحكومة والوطن، ولكن لا بأس أن تقلب الخطأ صح، وتجعل الصح خطأ، لا بس أن تقلب الوهم حقيقة والحقيقة وهما، لا بأس أن تجعل الأسود أبيض والأبيض أسود، لا بأس أن تهاجم المخلصين والغيورين على الوطن وتمدح المتزلفين والمدّاحين والمتسلقين وتصورهم بأنّهم الوطنيين الحقيقيين، لا بأس أن تقلب كل شيء لضده لكن لا تقولب كل شيء لكي تكون مواطنا صالحا.