"عمانيّتِنا" بوصفها منتجًا

دُعاء الوردي

تُعرّف الهويّة لأي بلد بأنّها مزيج الخلفيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تشكِّل مجموعاته العِرقيّة المختلفة، ويتطبّع بها سكّانه ويمارسونها يوميًا بصورة تعكِس تصوّرهم لأنفسهم، بيد أنه في حالات كثيرة لا يطابِق تصورهم هذا الصورة الذهنية التي يرسمها الآخرون عنهم في المجتمع الدوليّ، لأن هذا الأمر تحديدًا يخضع للتدخل الأساسي من قبل شبكات الأخبار العالميّة؛ فهي التي تقرِّر كيف يجب أن ينظُر شعب دولةٍ ما إلى شعبِ دولة أخرى، وفقًا لما تذيعه من قصصٍ إخباريّة وموضوعات، وحتّى وقت كتابة هذ المقال فإن بعض الشبكات الإخبارية ترشُّ البهار الحلو على "صحن الكبسة" سيء المذاق الذي تُشرِف على طهيهِ دولٌ ما، وهذه هي الشبكات هي نفسها التي تكبُّ الماء في قِدر الزيت المشتعل لدولٍ أخرى، وهكذا فإن تصوراتنا عن غيرنا من شعوب العالم قد لا تكون حقيقيّة تمامًا، وهذا يساوي احتمال أن تصوّر الشعوب الأخرى عنّا غير حقيقي أيضًا، ولذا تبرز الحاجة في أن تُكثِّف كل دولة حجم الحقائق والبيانات التي تصنعها عن نفسها لتُعبِّرعن هويّتها للآخر وتشرحها له، والأهم هو أن تُعزِّز لانتقالها لمجتمع الخارِج، وهذا ضروري ليس فقط لتتصدّى لحملات تمويّه أو تشويه الثوابت في هويتها الأصليّة، وإنما أيضًا لتُجمِّل صورتها في المجتمع الدولي، وكذا لتسوِّق لنفسها فتزيد بذلك من احترام وقَبول الآخرين لها اجتماعًا وثقافة وسياسة ودينًا.

الأمر الذي يستدعي عاجلًا على طاولة التفكير السؤال المهم: لِم يجب علينا أن نفعل ذلك؟ بالطبع ليس للأسباب التي يمكن استدلالها من الكلام السابق فحسب، وإنما أيضًا لأسباب أخرى تُسهِم في تغذية مصالِح الدولة الخارجية، فعندما تقوم أي دولة بالتسويق لنفسها والترويج لمقوماتها الطبيعيّة والمدنيّة والبشرية فإن هذا يسهم في زيادة حظوتها من الفرص الاستثماريّة التي ترد إليها من الخارج وزيادة معدلات الربح في استثماراتها الداخلية، إضافة إلى أنها ستصبح عامل جاذب لأفضل الخبرات حول العالم والأيادي العاملة التي تبحث عن بيئات أفضل تُقدِّر قواها الذهنية والبدنية، ولا ننسى أن سياحة البلد سوف تنتعِش بلا شك، وأفرادها سينالون تقدريرًا أكبر من قِبل أفراد الدول الأخرى.

 

وفي هذا الخصوص أشير إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها آلتي الإعلام التنموي الحكومية والخاصة في سلطنة عمان؛ إذ أنهما عملتا منذ إنطلاقهما الأول لأجل الترويج للهوية العمانية الفريدة وتعزيزها في الداخل مثلما في الخارج، ويجدر أن نشير هنا إلى أنها روّجت للثقافة العمانية الحقيقية التي يمكن لأي زائر للسلطنة أن يلمحها ويتبيّن معالمها، ولم تروِّج لثقافةٍ مصطنعةٍ ومبالغة، مثلما دأبت لذلك بعض دول العالم.

ولكن الحِراك الإعلامي العالمي الذي تقوده الشبكات الإخبارية المدعومة من قِبل جماعات متحيّزة تدعم مصالحها الخاصة وشكل المرحلة غير المستقر يفرض علينا أن نُطوِّر أشكالًا أكثر فعاليّة للإبقاء على صورتنا الجيدة في المجتمع الدولي، فلا يكفي أن نروِّج لمكوناتنا الكثيرة التي تُعرِّفنا كدولة عريقة أمام الآخرين بالطرق التقليدية التي نعرفها، وإنما أيضًا يجب صهر الجهود لأجل تصدير الهوية العمانية الفريدة للخارج بما يتناسب مع طبيعة المرحلة وبما يتناسب مع كونها منتجًا ثريًا ومتعددًا، وأعني بذلك أن تتناسب القوالب التي نقدّم فيها أنفسنا مع الطرق الأكثر طلبًا عالميًا والتي تتيحها الثورة التقنية ولا يتمّ هذا إلا بإشراك الشباب الموهبين نظرًا لقدراتهم وتمكُنهم من الأمر.

والذي يُتوقَع منّا أن نفعله  في المرحلة هذه -على سبيل المثال لا الحصر- هو أن نركز توجهنا على الصناعة الدراميّة بصفتها منتجًا يمكّنُنا من تصوير حياة الإنسان العماني التي تعكس جوانب كثيرة من هويّته وخصوصيّته، وهذا مهم نظرًا لما أصبحت تتمتّع به السينما من حضور عالمي قوي في تشكيل أيدلوجيات الشعوب إلى جانب أدوات الإعلام الرقمي الجديدة ذات التأثير العابر للقارات وبينها مواقع التواصل الاجتماعي، وبطبيعة الحال فإن هذا سيستدعي اشتغالًا أكثر على الترجمة بوصفها أداة وصول مهمة للآخر البعيد؛ لننقل له هويتنا العمانيّة على شكل منتجاتٍ ثقافيّة متعددة الأشكال.

 

 

duaaalwadi96@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك