شبابنا والبحث عن عمل!

 

عبدالرزاق بن علي

في كل شارع وحارة في هذا الوطن العربي الكبير تزدحم المقاهي والنوادي بصفوف الشباب العاطلين عن العمل. شباب في مقتبل العمر يتمتعون بكل نعم الصحة والفتوة والتعليم. لا يجدون حلا آخر لقضاء الوقت غير المكوث في هذه الفضاءات بلا هدف. أغلبهم يتقدم به العمر سريعا دون أن يفكر في تغيير نسق حياته الكئيب، ودون أن يبحث عن حل لبطالته؛ أغلبهم ينتظر أن تأتي الوظيفة يوما ما مع يقينهم أنها ستتأخر كثيرا. البعض منهم يقع ضحية للإدمان والانحراف ومن نجا منهم من هذه الآفات تاهت به مجموعات الرفاق إلى منعطفات أخرى لا تقل سوءا.

كل ما يفعله أبناؤنا هو الانتظار: لا شيء غير ذلك؛ فالحل المناسب بالنسبة لهم هو وظيفة في دائرة حكومية قد تأتي أو تتأخر قليلا وقد لا تأتي أبدا. ومن الأسباب التي أوجدت هذا الاعتقاد انعدام روح المبادرة والابتكار في ثقافتنا العربية واعتبار أنّ الدولة هي المسؤول الوحيد عن توفير الشغل للمواطن والضامنة للرزق.

فحين نعلم أنّ الشخصيات الأكثر نجاحا في العالم لم تكن أبدا من صفوف الموظفين الذين تعج بهم المكاتب. وأنّ الذين نجحوا في اكتساب ثروات ضخمة في عالمنا تخيّروا الابتعاد عن الوظيفة مبكرا، وأنّ مشاهير العالم جميعا الذين تلهج الركبان بسيرهم في جميع أصقاع الأرض وفي مختلف الميادين وفي مختلف الأزمنة لم يكونوا أبدا من الموظفين. ولم يُكلفوا أنفسهم مطلقا البحث عن وظيفة. ندرك سوء تقدير أبنائنا للحلول القويمة في معالجة بطالتهم.

فقد أثبتت الإحصائيات أنّ 75 بالمائة من أغنياء العالم هم مقاولون، وأن 12 بالمائة منهم مهنيون، و8 بالمائة رياضيون، و4 بالمائة فنانون، و2 بالمائة مخترعون، و0 بالمائة موظفون. ومع ذلك لا نزال في مجتمعنا العربي نختار أن نكون من بين هؤلاء الذين لا حظ لهم من الثروة والنجاح.

يحلم أبناؤنا كغيرهم ممن في أعمارهم بالسيارة والبيت الجميل والزوجة وسعة الرزق دون أن يكلفوا أنفسهم البحث عن سبل قادرة على تحقيق أحلامهم بل يهدرون أجمل سنوات شبابهم في المقاهي والحانات والنوادي بلا هدف.

الحلول كثيرة ومتاحة ويسيرة ولكنّ أبناءنا لا يبذلون جهدا من أجل البحث عنها. ومن ذلك ما تتيحه الشبكة العنكبوتية من فرص كثيرة في عالمنا المعاصر. فقد أصبح ممكنا لكل بشر أن يمتلك حاسوبًا صغيرًا مرتبطا بهذه الشبكة أن يجد فرصا كثيرة للعمل في مختلف الميادين ومن بيته وحيثما كان بإمكانه القيام بهذا العمل. إذ توجد عروض متنوعة للعمل في الترجمة والتدقيق اللغوي والتحرير والبحث والإعلام والتصوير وغيرها من الاختصاصات في مختلف أرجاء المعمورة بمقابل جيد على مدار الساعة. وبإمكان كل من يريد الاطلاع على جميع هذه الفرص المتاحة من بيته والاتصال مباشرة مع صاحبها بدون مقابل. من السهل أن يستفيد أبناؤنا من مزايا وفوائد النت بتكلفة بسيطة لا تتجاوز ثمن كأس شاي في مقهى شعبي. ولكن أغلبهم مع الأسف لا يحسنون الاستفادة من ذلك بل يهدرون أوقاتهم الثمينة في سوء استخدامها ومعاناة آثارها السلبية.

فالوظيفة التي تمثل هدف الغالبية العظمي من أبنائنا قد تكون حلا للبعض ممن يفتقدون القدرة على التميّز والتفرد والإبداع في مختلف المجالات، ولكنّها ليست كذلك لمن يريد أن يسير على نهج جميع المبدعين والمخترعين وكبار الفنانين والرياضيين وأصحاب الثروات؛ لأنّ الوظيفة قد تضمن لك بعض الخبز ولكنّها حتما لن تضمن السبق والريادة والثروة أيضا.

جميع الموظفين في العالم يندبون حظهم العاثر الذي ألقى بهم بين المكاتب التي يلفها النسيان والغبار. ويتمنون أن يجدوا لأنفسهم مخرجا من هذا السجن الذي خيروا النزول به بمحض إرادتهم. وجميعهم يقضون أعمارهم في انتظار الراتب الذي لا يكفي أبدا إشباع حاجاتهم الأساسية. في حين ينعم غيرهم ببهجة الحياة ورغدها؛ لأنّ خياراتهم كانت صائبة. فلا تهدروا شبابكم في انتظار سجن الوظيفة الذي لن تغادروه أبدا إن التحقتم بنزلائه، وابتغوا لأنفسكم طريق الخلاص كغيركم من القادة والمبدعين.

تعليق عبر الفيس بوك