تساؤلات حائرة!

 

حسين الغافري

(1)

لا صوت يعلو الآن أكثر من صوت كأس العالم لكرة القدم المُقامة في روسيا. كُل الأضواء ترتكز على نقطة واحدة ألا وهي "المونديال". كُل النقاشات والحوارات تتعاطى وتواكب البطولة الكبيرة التي أنتجتها قطعة الجلد المدور. سبحان الله، لو سألت أجيالا سابقة بأنّ هذه القطعة - أي الكرة- سنصبح مجانين من أجلها وستأخذ كل هذه المساحة، وكل هذا الاهتمام؛ لكانت السخرية والشماتة ديدنهم رُبما. هذه القطعة التي لا يتجاوز جل محيطها سنتيمترات بسيطة لم تعد كما كانت مُجرد هواية تمارس لقضاء الوقت، ولم تعد رياضة تسلية ما يُراد منها إلا المتعة والشغف؛ الأمر تجاوز كل هذه المعطيات.. تجاوزها منذ أمد، فهل نحن اليوم نرى الرياضة إجمالاً وكرة القدم خصوصاً كما يراها الآخرون؟ لكم الإجابة.

 

(2)

من يتفكر في كرة القدم وتطورها المتجدد والتقنيات التي فرضتها الشعبية الجارفة والاستثمارات التي أدخلت عليها يدرك كل الإدراك أنها باتت صناعة متكاملة الأبعاد. صناعة حقيقية حالها كحال صناعات التقنية والتكنولوجيا والسياحة وغيرها. صناعة كرة القدم أصبحت تتحدث بمليارات المليارات. حتى أنني قرأت منذ مدة بسيطة بأنّ بيع حقوق النقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي باتت تنمو بأرقام فلكية وتتجاوز التقنية الكلاسيكية. دخلت على الخط قوى عظمى تبحث عن الحقوق في سبيل البث الحصري، قوى مثل الفيس بوك وتويتر وسناب شات والبقيّة. كل هذه الأموال أنتجت حقيقة لا خلاف عليها وهي كيفية الكسب والربح من خلال كرة القدم، وبالتالي استفادت كرة القدم والرياضيين والمهتمين وباتت كما ذكرنا صناعة متكاملة مداخلها متشعبة وقواعدها تزداد رسوخاً مع كل يوم نعيشه. فهل نحن رؤيتنا نحو الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً نظرة "صناعة"، أو حتى لا أبالغ: هل نؤمن بالرياضة على أنّها صناعة؟ لكم الإجابة.

 

(3)

نعود إلى المونديال الروسي الذي نتابعه بشغف وعشق لهذه المستديرة. بعضهم يتابع بقصد المتعة والآخر بقصد الاستفادة. فما هي النقاط التي يمكن أن نتعلم منها حتى اللحظة. بغض النظر عن الجوانب الثانوية ومقاصد الربح والتخطيط في سلاسة جلب العالم أجمع داخل بقعة واحدة والتي هي بدون شك نقطة مثيرة للاهتمام في استضافة محافل كبرى من هذا النوع، فنياً دخلت منتخبات جديدة على الساحة ظننا على أنها ضيوف شرف تؤمن بضعف حظوظها في وجود قوى عالمية تاريخية. ولكن ما شد الانتباه أنها تنافسية وفرضت احترامها الكبير. دوافع الخوف والرهبة باتت تتلاشى، وفكرة صنع إنجاز ببناء المجموعة على سوبر ستار موضة انتهت. ميسي اختلف الجميع حوله بأنه قادر على أن يقود الأرجنتين لوحده.. وغادر مبكراً. نيمار في البرازيل ورونالدو في البرتغال. شاكلة هذه الأفكار يتجنبها العقلاء. كرة القدم باتت تعتمد على الجماعة والروح المشتركة. لذلك قدمت إيسلندا وجها مشرفا. نيجيريا والسنغال كذلك. مغامرة بلجيكا وكرواتيا لنصف النهائي وطموحات النهائي أيضاً بعمل الجماعة. علينا أن نؤمن بقدراتنا وإمكانياتنا وعطائنا.. ليس في كرة القدم فحسب، إنما في شتى مجالات الحياة. أليس كذلك؟

 

(4)

التساؤل الأخير أتركه لحال كرتنا العربية في المونديال. ولو أنّه يجب أن يكون في الطليعة وليس في ذيل المقال. عموماً، لماذا نشارك في هكذا محافل بطموحات بسيطة؟ قلنا لمرات عدة بأنّ التطور ديدن ذوي الهمم العالية والطموحات الكبيرة. ولكن للأسف كل مشاركة تأتي بتواضع أسوأ عن السابق. فهل نحن نواكب تطور الكرة المستمر. هل الفوارق الفنية عن الآخرين تتقلص كل عام أم أنّها تتضاعف علينا لا لصالحنا. أم أننا بذات مقاعدنا لم نتحرك وعلى العكس ربما بتنا نعرج بخطواتنا للخلف؟ أدرك تماماً أنّ مثل هكذا تساؤلات تراودكم. ربما إجاباتها واسعة ومتبحرة. لكن الحسرة المتجددة وروح التشاؤم ستستمر إن لم يحدث عكس ذلك. أترك المساحة لكم للتفكّر!

HussainGhafri@gmail.com