"دولة الإرهاب".. كما يراها أحد الغربيين!

عبد الله العليان

لا تزال قضية الإرهاب لا تقترب من الدقة والموضوعية في عالم السياسة ومصالحها ودهاليزها، وأصبحت الكلمة تُرمى هكذا دون تدقيق وتعريف جازم ومحدد لكل الأعمال الإرهابية، التي يتم توصيفها، والشيء الذي يدعوا للاستغراب أنّ تهمة الإرهاب لا تفرق بين الإرهاب الحقيقي المرفوض في الاعتداء على الآمنين دون وجه حق، وبين حق المناضلين والمقاومين لنيل حقوقهم، والدفاع عن أنفسهم من أي عدوان، ولا شك أنّ عدم التمييز في هذا الأمر لم يعط المصطلح القيمة الصحيحة كما هو معروف قانوناً، ولا ذلك التقدير والاحترام؛ لأنّه افتقد العدل والفرز، وسلك طريق الانتقائية دون معايير الإنصاف؛ خصوصاً عندما يتم إلصاق هذه التهمة بالأبرياء، ويتم تبرئة الإرهابي الحقيقي والدفاع عنه، وهذا بل أشك أضفى أزمة أخلاقية وقانونية على هذا المفهوم في غياب المقاييس الصحيحة للأعمال الإرهابية كما أشرنا آنفًا. فإسرائيل مارست إرهاب الدولة على الشعب الفلسطيني منذ الأربعينيات من القرن الماضي، قتلاً وتشريداً ومصادرة لحق الشعب الفلسطيني في أرضه، ومع ذلك يتم تجاهل ذلك من قبل الدول الكبرى المؤثرة في مجلس الأمن، ويتم اتهام أصحاب الحق بالإرهاب، وهذا يتم للأسف في عصر ما يسميه الغرب بعصر الأنوار.. عصر الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية. وفي كتابه الصادر حديثا "دولة الإرهاب.. كيف قامت إسرائيل الحديثة"، يرى الكاتب توماس سواريز في مقدمة الكتاب أنّ الصهيونية بأهدافها الاستيطانية، من خلال شعارات ملتبسة؛ حيث "كان الاضطهاد هو الدافع المزعوم وراء مهندسي الصهيونية السياسية في أوائل عهدها، وتأسيس دولة يهودية كان الحل. ولكن مهما كانت نوايا أي منهم في ذلك الوقت فإنّ تأسيس دولة يهودية تقوم على الاستيطان صار هو الهدف، وأن يكون اليهود المضطهدون- مسمار جحا- وقودها المتجدد".

الإشكالية كما يرى المؤلف توماس سواريز، أنّ الصهيونية السياسية، لم تقف عند الاستيطان فحسب، مع بقى سكان فلسطين في أرض تمت تسميتها بأرض الميلاد، بل إنّ المشروع الصهيوني كان كبيراً ومخططا له للتوسع وبوسائل إرهابية للطرد وحتى بالقتل، فقد "كان دعاة الصهيونية- كما يرى توماس- يعترفون أنّ هدفهم السياسي لا يمكن تحقيقه إلا باستخدام العنف ضد السكان ـ إما بطردهم أو بما يعرف بالإرهاب، حتى قبل أن يرسل الكشافة الصهاينة برقية إلى فيينا في سنة 1898، خيبت الآمال بتأكيدها أنّ فلسطين لم تكن بلادا خالية بل كانت قد (تزوجت) فلسطين. وليس ثمّة فرق كبير إن تحقق ذلك عن طريق قتل السكان أو طردهم والاستيلاء على وسائل عيشهم وتجويعهم والسيطرة على مياههم الجوفية".

وفي عنوان "السباق نحو التعصب"، يشير الكاتب إلى استغلال زعماء الصهاينة ظروف توقف الحرب العالمية الثانية، وهزيمة ألمانية الهتلرية التي تعادي الصهيونية، فحانت عندهم "فرصة لن تتاح ثانية، قد فتحت المجال للصهيونية لتصعيد حملات الإرهاب في فلسطين، ولوقوع أول التفجيرات الصهيونية في أوروبا وبجهود جديدة للحفاظ على "نقاء الصفاء العرقي"، وبمساع حثيثة لاستقطاب أعضاء جدد للمليشيات، وبضبط أشد لتصرفات "اليشوف" وطرق جديدة من العنف ضد من نجا من اليهود".

وفي عنوان "التقسيم: الإجراء المؤقت"، يرى الكاتب أنّ من آثار انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثاني إعطاء الفرصة لتقسيم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين، والذي لاشك لم يكن عادلاً ولا منصفاً للحق السليب للفلسطينيين فـ"لو أنّ الهيئة العامة للأمم المتحدة التزمت في 29 نوفمبر 1947 بالمبادئ التي ينص عليها ميثاقها لهزمت القرار الرقم 181، الذي حرم فلسطين من حق تقرير المصير، فالإرهاب الصهيوني الذي ظل يتعاظم على مدى دولة الإرهاب جاء نتيجة إعطاء الدولة الجديدة، كما يرى الكاتب أنّ جزءاً أكبر من الأرض أُخذ نتيجة الخوف من الإرهاب الصهيوني، وقد افترض الذين قرروا قرار مستقبل فلسطين أنّ الدولة الإسرائيلية الجديدة لن تلتزم بقرار التقسيم".

وتحت عنوان "إسرائيل بلا حدود"، بعد حرب 1948، التي كانت خطط لها ورسمت لها كل التحركات من خلال الدول الاستعمارية؛ لإتاحة المجال للسيطرة على جزء كبير من أرض فلسطين، مع إبعاد مئات آلاف من الفلسطينيين وتهجيرهم واحتلال أراضيهم بالقوة المساحة، وقد برز هذا الأمر اللافت؛ ذُكر في الكتاب "إنشاء دولة إسرائيل بالقوة- كما يقول الكاتب توماس سواريز وهو اقتباس من تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية- مع ما رافقه من إرهاب مُورِس على الحكومات العربية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (آنذاك)، وأنّ صيحة النصر الإسرائيلية قد اكتملت، ولكنّها لم تقدم حلا لشيء. ولو رُسِّمت حدود لدولة إسرائيلية؛ مهما كانت، وضمنتها الدول الكبرى، فلربما عاد السلام إلى المنطقة؛ أمّا الآن فلدينا العكس، دولة منتصرة لا تحدها حدود، ودولة تصر على ألا توضع لها حدود. إنّ الشرق الأوسط مقبل على اضطراب عميق تثيره إسرائيل قد يمتد على مدى عقود".

وفي عنوان "الانتقال للحاضر" في خاتمة الكتاب، يتحدث الكاتب عن أنّ القرارات الدولية التي صدرت في حق الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم بموجب الأمم المتحدة، أهملت أو نُسيت تماماً، كما أنّ العنف الإسرائيلي استمر بتلك القوة، دون أن تكون هناك قرارات دولية عادلة، وحتى وإن صدرت تواجه بالرفض بسبب حق النقض "الفيتو". ويقول المؤلف "وعندما يطلب من الفلسطينيين أن يتنازلوا فإنّ ما يعنيه ذلك أن يُعطوا أكثر مما أعطوا- وقد فعلوا حتى هذا- ولكن ما دام الهدف السياسي الصهيوني الأصلي الذي لا يقبل التغيير لم يتحقق بكامله بعد، فإن "عملية السلام" ليست سوى خدعة لكسب الوقت، "كما كانت دائما".

لا شك أنّ الكاتب توماس أحد الكتاب الغربيين الذين تحدثوا عن الإرهاب الصهيوني بكل صراحة ووضوح، وهذا بحق خروج على المألوف؛ كما عُرف عن اتهامات بعض الكتاب والباحثين في الغرب؛ حيث تهمة معاداة السامية سلاح لا يتوقف عن مواجهة أي نقد لإسرائيل.