الارتكاز على مورد الإنسان العُماني

حمود الطوقي

عندما تشرق شمس الأول من يوليو من كلِّ عام، تتسارع الخُطى للاحتفاء بيوم النهضة المباركة 23 يوليو المجيد، التي قاد مسيرتها حضرة صاحب الجلالة السلطان بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي وضع الإنسان العُماني أولى أولوياته لكي يعيش هذا المواطن سعيدًا وفِي رغد من العيش، وقال وقتها جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- مخاطبا شعبه الوفي: "سأعمل بأسرع ما يمكن لكي تعيشوا سعداء". هنا نقرأ أن الارتكاز على بناء الإنسان العُماني هو أحد أهم محاور النهضة العمانية التي ترتكز عليها الرؤية والبوصلة العمانية. واليوم، بعد مرور 48 سنة وما تحقق لعمان من إنجازات ضخمة في شتى الميادين بشهادة الجميع. هل يا تُرى أن المسؤول الذي أؤتمن على رفاهية المواطن لا يزال يضع في الاعتبار أهمية الإنسان العُماني كمورد، أم أنه طرأت مستجدات وتغير اتجاه البوصلة لجعل المواطن يعيش مرحلة جديدة، ويدخل في خانة المواطن المساهم في دفع تعزيز خزانة الحكومة من خلال دفع بعض الضرائب تنفيذا لرؤية الحكومة الداعية للبحث عن مصادر للدخل وانتهاج سياسة ترشيد الإنفاق، من خلال قراءة سريعة للوضع الاقتصادي الراهن ومنذ بداية التدهور في أسعار النفط عام 2014، نرى التوجه نحو مشاركة المواطن بدفع جزء من فاتورة تدهور الأوضاع الاقتصادية. والسؤال الذي يتصدر المشهد الآن: هل سنشهد مع بداية التعافي للسوق النفطية عودة المميزات التي كانت تُصاحب المواطن قبل الانكماش الاقتصادي، أم ستظل الحكومة -كما يتضح جليًّا- تعتمد على تبني سياسات تجنح للمحاسبية أكثر منها الاقتصادية؟! والتي لامست المميزات التي كان يستفيد منها المواطن، وتمثلت في تقليص حجم الإنفاق إلى دون المستوى، وفرض الضرائب الملموسة أو غير الملموسة، رغبة في تقوية خزينة الدولة من خلال تقليص الحوافز المشجعة للمواطن؟

من خلال متابعتي للوضع والتشخيص، أرى أن المخططين يبحثون عمَّا هو سهل المنال، وجاءت قرارات بعض الجهات الحكومية بفرض الضرائب كبديل لزيادة أموال خزينة الدولة، ويكون المواطن الضحية، في الوقت الذي كان من الأجدر فيه أن تبحث الحكومة عمَّا يفيد المواطن كأحد أهم أركان التنمية المستدامة. ومن مبدأ وضع الأمور في نصابها، والعمل من منطلق التكيف مع الأوضاع الاقتصادية، فعلينا أن نعود إلى التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، والتي تنطلق من مبدأ تعظيم الاستثمار والبحث عن مصادر جديدة للدخل القومي، والابتعاد كليًّا عن المساس بما يؤثر على المواطن، وأعتقد أننا ركزنا في المرحلة الماضية كثيرًا على مبدأ ترشيد الإنفاق وأهملنا في ذات الوقت التركيز على بناء المواطن، وكأن من شأن هذا الترشيد أن يُعزز من إجمالي الناتج المحلي للدولة ويرفد خزينة الحكومة بمبالغ تغنينا عن البحث في الاستثمارات الجادة وذات القيمة المضافة. أكثر ما أخشاه أن يكون هذا الامر سبباً في إصابة التوجه الاستثماري بالشلل، رغم أنّه من المفترض الاستفادة من الوضع الراهن في البحث عن بدائل جديدة خلاقة تكون مهمة لرفد اقتصادنا الوطني بالحيوية والانتاجية، وأعلم يقينًا أنّ المُخططين في الشأن الاقتصادي على دراية كاملة بأن هناك بدائل مهمة يمكنها أن تعزز الاقتصاد العماني بالانتعاش بعيداً عن المساس برزق المواطن الذي هو من خيرات هذا الوطن الغالي.

علينا أن لا نعتمد فقط على مورد النفط الذي ما زالت مساهمته في الناتج المحلي عالية جدا، تصل إلى 80.79%، بينما قطاعات واعدة مثل السياحة ما زالت مساهمتها متواضعة ولَم تصل إلى 3% حتى نهاية العام المنصرم، فبلادنا قد حباها الله بخيرات كثيرة، وهي قادرة على أن تحل محل النفط والذي سوف ينضب في يوم من الأيام. الكثير من الندوات والمؤتمرات عُقدت وطرحت فيها العديد من الآراء والأفكار لتعزيز الاقتصاد الوطني، ورفد خزينة الدولة بأموال قد تكون البديل عن النفط، ولكن يبدو أن التحرك في مجال التنويع الاقتصادي يحتاج إلى سياسة النفس الطويل، لهذا اتجهت الآراء إلى ترشيد الإنفاق وفرض ضرائب لسد العجز. وما دمنا نتجه إلى هذا الاتجاه، فقد تحدثت على حسابي في "تويتر" حول حجم تحويلات أموال الوافدين للخارج، وطرحت بعض الأفكار؛ منها: فرض رسوم على هذه الأموال والتي تُحوَّل يوميًا بمئات الملايين من غير وجود أية قيود. صحيح أن ما يُميز الاقتصاد الحر هو عدم وجود قيود على الأموال، ولكن فرض ضريبة ولتكن بنسبة 1% أو2% أمر مهم إذا ما عرفنا أن آخر الإحصائيات الرسمية من قبل البنك المركزي تشير إلى أن حجم التحويلات القوى العاملة الأجنبية في السلطنة في العام 2017م بلغ مبلغا وقدره 3.774 مليار ريال عماني، وهذا المبلغ بحد ذاته يمثل أكثر من 35% من إيرادات النفط. هناك مجالات واعدة للاستثمار مفتوحة ومتاحة ويجب أن نشجع العمالة الوافدة على التوجه للاستثمار في السوق المحلية بدلا من التحويلات الضخمة، وبإمكانهم توظيف جزء من مدخرات القوى العاملة الوافدة في الاستثمار في البلاد بدلاً من تحويل كل المدخرات إلى الخارج. أعتقد أنّه آن الأوان لنهتم من جديد ونعود إلى المربع الأول كما أراد ذلك جلالة السلطان: رفاهية المواطن وبناؤه ليكون مساهما فاعلا للوطن، لنبحث عمَّا هو مفيد للمواطن ولا يعكر صفو تفكيره، علينا كحكومة وكقطاع خاص ومسؤولين ومواطنين أن نعمل معا جنبا إلى جنب نحو بناء المواطن، ونبتعد عن فرض الضرائب التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فكلما عاش المواطن في رفاهية ورغد من العيش زادت خزينة الحكومة، وزاد إخلاص المواطن في العمل والإنتاجية.. علينا أن نتعلم من هذه الأزمة، ونضع أولويات البحث عن البدائل؛ بحيث لا نحتاج إلى النفط حتى وإن تعافت السوق النفطية، فلدينا البديل والأهم منه ألا وهو الفكر المستنير والرأي السديد الذي يجعلنا نفكر في تعظيم حجم استثماراتنا بما هو متاح في طبيعتنا ومواردنا وعقولنا، والتركيز على الاستثمار في العنصر البشري من خلال إصلاح العملية التعليمية والارتقاء بها إلى مصاف العالمية، وجعلها مواكبة لمتطلبات سوق العمل والإخلاص في العمل، هنا سنجد التحول الجذري لاستثماراتنا شريطة ان نعطي القطاع الخاص كل الدعم لكي يحقق مبدأ الشراكة بين القطاع العام والخاص، ويكون المواطن هو أحد أهم موارد التنمية.