الطفل العُماني... الهُوية أو الهاوية!

أحمد عمر عطا الله - ناقد وباحث أكاديمي - مصر


    
"لولاك يا سوبر مان لكنت في الوادي" جملة اعتيادية تحمل جينات الشكر والعرفان لعمل جليل أداه (سوبر مان) صاحب الكارتون الشهير؛ بيد أنها احتوت في المؤثرات السياقية أخطر ما قد يتوقعه مسلم عربي؛ فالقائل يركع بل يسجد لمنقذه!
هكذا تُدمر الطفولة عقديــًّـا وأيديولوجيـــًّا؛ فليس ثمة أمة تقدم ثقافة غيرها على ثقافة نفسها، والأمة الأصيلة لا يعتمد أناسها على نتاج الأغيار، فالتراث يعمل على بقائها واستمرارها برغم ما قد تتعرض له من عدوان أو تشرّد وانتشار نتيجة ضغوط السياسة أو الجغرافيا ، فهو في الحقيقة سبب تجليّة حضارات الأمم، وتأكيد ذاتها وحماية هذه الذات من الذوبان والانكسار.
ويعبّرُ تراث كل أمة عن هويتها؛ لأنّ التراث- في جوهره- مخزن الأصالة والإبداع في حياة البشر، وهو زادهم التاريخي؛ حيث يحتضن حضارتهم ويحميها؛ حتى تصبح فيما بعد أحد مكتسبات الأمة في مسيرتها نحو رقيها وتقدمها، والمعطيات التراثية تكتسب لونًا خاصَّا من القداسة في نفوس المجتمعات ونوعًا من الاستقرار بوجدانهم وأفكارهم، وإن لدينا تراثًا يحمل هويتنا الحقيقية خلقًا وآدابًا وعلمًا؛ بيد أنه لا يحتاج حالـمًا تختاله الرؤى بل سواعدَ تجلي عنه غبار القدم، وتراب الإهمال.
ما يعنينا هنا، بطبيعة المقام وحدوده، هو الإشارة إلى أدب الطفل العماني، خاصة الشعر من نظرة محايثة تتبنى قوانين تحليل الخطاب التي تتعامل مع النص الشعري بوصفه بنية لسانية وفكرية تحيلنا إلى مرجعيات دينية وثقافية ووجودية، وهو موروثها الصنفي، أو ما يسميه جيرار جينيت: (جامع النص Architexte)؛ لنكشف من خلال ذلك كله الحمولات الدلالية والمفاهيمية، ملاحقًا حضورها عبر التاريخ والحضارة؛ فيأتي دور النمذجة التي تمثلت في دواوين الأديبة العمانية سعيدة الفارسي بوصفها أول من سطر الشعر الطفلي العُماني، مع ثراء العطاء الذي قدمته لهم إزاء نظرائها، كما أن أدبها ارتكن إلى تراثنا، وتماشج مع مكوناته، مع تفاعل واعٍ وحصيف؛ فكانت تنتجع الأدب العربي: منظومه ومنثوره، وتمتح من معين الموروث الديني والاجتماعي؛ لرفد أبياتها بما يمنحها جماليات الشعر وبلاغته، واستعانة على تأكيد المعنى المقصود، بوصفها واحدة من عوامل التأثير في النص.
والمسرد لتلك الاسترفادات- في الواقع- يطول بنا إن نحن أردنا الاستقصاء، حسبنا إذن نظرة فاحصة إلى العنونة عتبة النص في ديوانها الأول والأكبر للطفل العماني (أغنيات للطفولة والخضرة/ 1979م)، ما سيتيح لنا التعاطي مع زعمنا السالف، والجدول التالي يحدد لك نسبة التأثر بالتراث والبيئة التي تكتنفنا (الهوية) في ذلك الديوان:
التراث الديني: مباشر 29 بنسبة 58%، وغير مباشر 4 بنسبة 8%، والتراث الاجتماعي: 14 بنسبة 28% والسياسي 3 بنسبة 6%

وبما أن العنوان هو النص الموازي الذي يتموقع فيه العلامة والرمز وتكثيف المعنى، ونواته التي حيك على أطنابها نسيجه، والحد الفاصل بين النص وعالمه الخارجي؛ فإن تلك النسبة المئوية تكشف عن قيمة ذلك الديوان وأهميته لأطفال القطر العُماني، إذ تتسلسل تلك العنوانات من الرافد الديني بداية من التعاون في أول القصائد؛ ومرورا بالرحمة والمروءة والحب والإخاء، وانتهاء ببعض صفات المبدع العظيم سبحانه وآياته في الكون الفسيح، ينضاف لذلك كله حس الانتماء الذي يملأ ثنايا الديوان للدين والوطن العربي الكبير، حيث يمثل تحريكا للتراكم المعرفي وإثارة للوجدان الديني والاجتماعي؛ وصياغة تتأسس على بنية فهم ووعي قائمة بدورها على ثوابت البلاد وتكشف مكنونات هويتها، ومن ههنا يلح السؤال: متى يتراءى أدب الأطفال العرب وإعلامهم منارًا لإضاءة السبيل الديني والقومي لهم حالة التشظي التي يصنعها نظيره الأجنبي فيهم؟!

تعليق عبر الفيس بوك