أين حقي في الترقية؟

 

د. عبد الله باحجاج

 

التقينا قبل شهر رمضان المُبارك، وكذلك قبل ثلاثة أيام، بمجموعة مختلفة من الموظفين المخضرمين بناءً على طلبهم، بعضهم سيُحال للتقاعد بعد ثلاثة أشهر، وآخرون نهاية السنة الحالية، وآخرون تبقى لهم ما بين سنة وثلاث سنوات، القاسم المُشترك الذي يجمعهم أنهم من الجيل الذي أفنى زهرة شبابه في العمل لخدمة الوطن بإخلاص، فلم يدخلوا في لوبيات الانتفاع المالي والعقاري رغم مناصبهم القيادية، فظلوا عصاميين، وساهموا بإيجابية خالصة مع مُختلف مراحل بناء دولتنا الحديثة، فلهم خدمات جليلة، وعطاءات ملموسة في مختلف المجالات الوطنية.

وبالتالي لابد أن نطرح الآن التساؤل التالي: متى سيتم الوفاء بحقوقهم في الترقيات المستحقة من 2010 إلى 2011؟ لا يُمكن أن تسقط هذه الحقوق، قد تؤجل لدواعي المصلحة العامة، لكن سقوطها غير قانوني أبدا، وغير وطني بامتياز، فالمصلحة العامة لا تأكل حقوق الفرد أو الأفراد، وترمي بهم في مستنقعات الفقر، بل هي تتكامل في تناغم مع مصالحهم، وإذا ما دعت الحاجة إلى المساس بها، فذلك يكون مؤقتاً حتى تزول الأسباب الطارئة، وبعد إزالتها تعتد بها بأثر رجعي، وليس فوري، ولو تأملنا في الأسباب التي أدت بالحكومة إلى وقف تلكم الترقيات بل وإلى تبني سياسة مالية وضريبية متشددة على المجتمع، يكمن في انهيار أسعار النفط، ووصولها إلى سقف الثلاثين دولارا للبرميل، والآن يصل النفط العماني، فأسعار النفط العماني فوق (75) دولارا للبرميل، وبالتالي فما هي حجة استمرارية المنع؟ لابد من الانفتاح على قضية هذه الترقيات سريعاً، ليس كحقوق مقدسة لا تسقط عن الحكومة، وإنما كذلك حتى لا تفقد ما تبقى للوظيفة العمومية من دافعية الإنتاج، ومما تبقى من ضمير محفز على الالتزام بساعات العمل، فهناك قطاعات إنتاجية وفكرية.. قد أصبحت قضية وقف الترقيات تقتل فيها الإبداع والإنتاجية، ويصبح مثلها الأعلى الجيل المُخضرم المظلوم المؤسس للنهضة العمانية الحديثة، وهم الأغلبية، بينما هناك أقلية، وهي معروفة بذاتها، انتفعت من وطنيتها أو من وظائفها، وخرجت وستخرج من الوظيفة العمومية بما لا يقل عن عمارتين ومزرعة.. وفق مؤشرات رصدناها من واقعنا المحلي، بينما الأغلبية الصامتة والمتفرجة.. فعندما تطالب بترقية واحدة مستحقة قبل إحالتها للتقاعد .. فهذا يعكس حجم واقعها المالي والاجتماعي، وما وراءه من خلفيات نفسية محتقنة كالقلق المرتفع من مرحلة التقاعد، وضعف العائد المالي للراتب التقاعدي على مواجهة استحقاقات والتزامات ستظل قائمة على الموظف حتى بعد تقاعده سواء بصفته رب أسرة أو كموقعه الاجتماعي، فأصبح الآن جل همها قضية الترقية رغم أن مردودها المالي لن يحدث لها نقلة مالية، لكنها بالنسبة لهم معنوية، لأنها ستنقلهم من الشعور بالظلم، وهذا من مصلحة مرحلتنا الوطنية خاصة في مآلاتها الجديدة، فسيادة هذا الشعور عند الأغلبية، وفي نفسيات الجيل المؤسس، سيكون لها ارتدادات على المرحلة نفسها، وكذلك انعكاسات على سيكولوجيات الجيل الجديد، وهذا ما نلاحظه فيه الآن بصورة يبدو لنا أنها تميل نحو البرغماتية النفعية المجردة بصورة متدرجة حسب خارطة ذلك الشعور من حيث انتشار ذلك الشعور، وانتقاله من الجيل القديم إلى الجديد.

فمتى سيتم الإفراج عن هذه الترقيات وبأثر رجعي؟ بمعنى أنَّ الترقيات ينبغي أن تشمل حتى المتقاعدين الذين أحيلوا للتقاعد القانوني، فهذا حقهم وهو حق مؤجل لظروف البلاد المالية، وهي مقدرة، لكن الآن بعد تحسن الظروف الاقتصادية للبلاد، بل إنها وصلت إلى مستويات فوق الاطمئنان ليس بسبب ارتفاع أسعار النفط فقط، وإنما للعوائد المالية الجديدة من الضرائب والرسوم الجديدة، وكذلك اكتشاف كميات ضخمة من النفط والغاز، وبداية الإنتاج في بعضها، وليس هذا فقط، بل رفع مساهمة الكثير من القطاعات غير النفطية في الدخل القومي ... إلخ كل هذه التطورات الإيجابية، تجعلنا نطرح تساؤلنا عن الفترة الزمنية لاستحقاق الترقيات " متى؟ " وهذا التساؤل يحمل في طياته الصفة الاستعجالية، لعدة أسباب، أبرزها، قداسة الحق ذاته لارتباطه بالواجب، وانعكاسات أحدهما على الآخر بالتبعية، وكذلك، لعلاقة الترقيات والعلاوات .. في تشجيع الإبداع وإعمال الفكر للتميز والاستفراد .. الفردي والمؤسساتي في الدفاع عن المصالح العامة واستحقاقاتها الوطنية.. وكل من يقلل من أهمية مثل هذه الحقوق، لا يدرك ماهيات التحديات الداخلية والإقليمية التي تواجه بلادنا الآن، والتي لا يُمكن مواجهتها إلا بعاملين أساسيين هما، الوطنية الخالصة، والعصف الذهني "الفردي والمؤسساتي" فكيف نحقق هذين العاملين دون منح المواطنين حقوقهم، ودون الحفاظ على المناخات النفسية الاجتماعية المنتجة للشعور الوطني، والدافعة إلى إعمال الفكر .. ؟ وكل سيكولوجية تنتمي للجيل المخضرم المؤسس للنهضة العمانية الحديثة، وهم الأغلبية، وتشعر بالظلم، ستنعكس بصورة تلقائية إلى الجيل الجديد، سواء بالتبعية الأسرية أو بالعلاقة الوظيفية، فهذا الجيل المخضرم هو مقياس استحقاق الحق في سقفه المثالي، فكيف والحديث هنا عن أدنى الحقوق مثل الترقية؟

نعلي هنا من شأن هذا الجيل المخضرم، بعد أن وصلتنا رسائله الإنسانية والوطنية قلبيا في خضم إدراكنا لخطورة مثل هذه النفسيات على مرحلتنا الوطنية ومآلاتها المقبلة، وفي ضوء معرفتنا بنزاهة ونظافة أغلبية هذا الجيل، وعصاميته، بينما هناك أقلية، وهي معروفة بذاتها، انتفعت من وطنيتها أو من وظائفها، خرجت وستخرج من الوظيفة العمومية ما لا يقل عن عمارة ومزرعة .. وفق مؤشرات رصدناها من واقعنا المحلي، بينما الأغلبية الصامتة والمتفرجة .. فعندما تطالب بترقية واحدة مستحقة قبل إحالتها للتقاعد .. فهذا يعكس حجم واقعها المالي والاجتماعي، وما وراءه من خلفيات نفسية محتقنة كالقلق المرتفع من مرحلة التقاعد،

 وهنا نتساءل مجددا عن نتائج جهود مجلس الشورى في هذه الترقيات؟ خاصة بعدما قطعت اللجنة الاقتصادية والكثير من الأعضاء عهدا على أنفسهم بمُتابعة هذه القضية والإصرار عليها بعد الموافقة الضمنية للوزير المسؤول عن الشؤون المالية، وقد طالبناهم في مقال سابق بالكشف عن نتائج لقائهم المشترك مع مجلس الوزراء، لكننا نصرخ في واد سحيق، وهذا الملف تفتحه الآن بقوة تحسن مالية الدولة إلى مرحلة فوق الاطمئنان، فلا يُمكن الاستمرارية في منع حقوق الموظفين المقدسة، لأنها من الحقوق، ولأن الواجبات متوقفة عليها، وقد وصل درجة إحساسنا ببعد المتقاعدين السيكولوجي إلى الشعور باضطراباتهم النفسية والعاطفية، ومن يُطالب بترقية، وتشكل له قبل تقاعده هاجسا مؤرقا بعد خدمة عقود في الدولة، من المؤكد أنه يعكس وضعية مالية قاهرة، لذلك، نرى أنه إذا ما وجد مسؤول أو أية نخبة مالية أو اقتصادية أو فكرية .. ترى في تحسين وضعية المواطنين المالية عن طريق الترقية مثلا أو ما يشابهها.. ترى فيها من الأخطاء الكبرى – وقد قيل – أو تقلل من تداعياتها، فهى إما أنها تعيش في أبراج عالية أو أنها لا تفرق بين الدول في كوكبنا الأرضي، فبلادنا، تعد ديموغرافيتها كقوة ناعمة أكبر تأثيرا من قوتها الخشنة، بل إنها – أي ديموغرافيتها – قد أصبحت مستهدفة .. فلا نفتح الأبواب لاختراقها، فهل صوتنا سيسمع أو ينفذ إلى مؤسسات صناعة القرار؟ هل سيعتبروننا نغرد خارج المرحلة الراهنة؟ سيقولون، وسيقولون الكثير من المبررات المالية.. لكننا نقول "نكرر" إن بلادنا قد وصلت إلى ضمانة الاطمئنان المالي منذ عدة شهور، وسيحطم سعر النفط عتبة المئة دولار بسبب الملف النووي الإيراني في حقبة ترامب، ومن ثم أين نحن الآن من سعر (30) دولارا للبرميل الذي كان حجة لقطع الترقيات؟ سيقولون، ويقولون الكثير والكثير .. ونقول، لن تلقوا آذان صاغية، فاستمرار منع الحقوق أو قطعها ليست إلا على المجتمع وليست على الحكومة، فلا نحمل المواطنين ما لا يتحملونه أصلا – سبباً ونتيجة – خاصة بعد زوال الأسباب التي أدت إلى ذلك، بل إنَّ الرؤية الموضوعية لمرحلتنا الوطنية ببعديها الدولي والإقليمي وتحدياتهما المقبلة تحتم الإفراج على الترقيات وكذلك وقف ضريبة القيمة المضافة التي ستطبق عام 2019، بالتزامن مع تطبيق قائمة كبيرة بالخدمات مدفوعة الثمن بعد ما كانت مجانية، لدواعي تماسك قوتنا الديموغرافية، ورهاناتنا عليها لمواجهة التحديات الإقليمية المقبلة، وهنا دعونا نتصور أبعاد الترقيات والانفتاح أكثر على التوظيف، وتخفيف الكاهل على المجتمع من الرسوم والضرائب عشية ذكرى يوم الثالث والعشرين المجيد المقبلة؟ كيف سيكون وقعها الاجتماعي؟ وكيف سيكون إنعكاساتها السياسية على قوة الديموغرافية العمانية؟ ينبغي أن نتوجه إلى هذه الانفتاحات لضرورات وطنية عاجلة، وسريعاً، والكرة هنا في ملعبي الحكومة ومجلس الشورى.