صنَّاع المستقبل

حاتم الطائي

يُمثل فصل الصيف بوابةً زمنية يعُود فيها السُّكون إلى مَنَازلنا عبر إجازة نهاية العام، وتتفتَّح فيه رئة أبنائنا الصِّغار لتستنشق عبير الرَّاحة والاستمتاع، بعد عام دراسيٍّ نتمنَّى أن يكون حالفَهُم فيه التوفيق بزيادة حصيلتهم المعرفية، واكتساب مَهَارات تعليمية جديدة. وبالمقابل، يُعلن الآباء والأمهات خَفضًا لحالة الطوارئ حتى إشعار آخر؛ إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التخطيط يبحثون فيها عن كيف يقضي أبناؤهم عطلة مُمتعة، وهنا تَبِيْنُ مُستويات الاختلاف وفوارق الاستفادة، إذ ينصبُّ معظم التفكير على ضمان تحقيق "الراحة" فقط.. صحيح أنه شيء مطلوب، إلا أنَّ الأخذ بالأسهل في تحقيقه يفوِّت على أبنائنا -والمجتمع ككل- إفادات كبيرة قد يكونون هم أنفسهم غير مُدركين لها، وهنا لابد أن ينفرد الدور الأبوي بمسؤولية اتخاذ القرار، وفق تخطيطٍ تشاركيٍّ مُسبق، ومعرفة كافية بما هو مُتاح من برامج مُجتمعية ومخيَّمات صيفية تكافئ مهارات وإمكانات أبنائه، بما يَخْلُق واقعًا مجتمعيًّا جديدًا للأطفال خارج المحيط الاعتيادي لديهم (الأسرة/ المدرسة)، يُكسبهم خبرات تعليمية تعزِّز مستوياتهم وهواياتهم ومهارات التفكير الإبداعي لديهم، بوسائل جديدة وطرق تربوية مختلفة، واقع تعليمي جديد يوسِّع مداركهم وخيالاتهم، ويثري معارفهم وثقافتهم الذاتية، فطفولة أبنائنا مرحلة حسَّاسة، والتأثير الإيجابي فيها يُكوِّن شخصياتهم المستقبلية.

وكمَظْهرٍ مجتمعيٍّ يعكس رقيًّا حاصلاً في تفكير أولياء الأمور اليوم، بدأنا نشهد تفاعلاً كبيرًا مع برامج المخيَّمات الصيفية الطلابية على امتداد محافظات وولايات السلطنة؛ وتناميًا في أعداد المشاركِين من أبنائنا، ومُعدَّلات مبشِّرة لحجم الاستفادات المتحققة من هذه الفعاليات وأنشطتها، وتنوُّعًا في الخارطة البرامجية لأغلب هذه المخيَّمات، اختفت معها الأنشطة التقليدية، لصالح غايات ووسائل مواكِبة للحداثة ومُتطلبات الواقع الذي نعيشه، تَضْمن قضاءَ أوقات راحة مُمتعة، وفي نفس الوقت بناء شخصيات سوية، متشبِّعة بالقيم والمبادئ الإيجابية، وصقل مهارات الحوار والقدرة على التعبير لديهم، وتفريغ الشحنات النفسية السَّلبية، وزرع قيم المشاركة وتعزيز روح العمل الجماعي، والنظام، والإبداع، بما يُساعدهم على ترك أثر إيجابي في المجتمع عبر تقاسم تجربتهم في المخيم مع محيطهم العائلي والمدرسي.

.. إنَّ ما عَنيتُه بتوجُّه بعض الآباء للأخذ بالأسهل في التخطيط للعُطلة السنوية لأبنائهم، ينسحب كذلك على اعتقاد البعض بالمسؤولية التربوية والترفيهية الأحادية للمخيَّمات الصيفية، فيكتفي بفترة مشاركة أبنائه في المخيم، دون أدنى متابعة، الأمر الذي يُفرِّغ الفكرة من جَوْهرها. صحيح أنَّ المخيم بمثابة مُجتمع مصغر ويُناط به الكثير، إلا أنَّه كذلك لا يُمكن أن يقوم مقام الأسرة أو المدرسة، بقدر ما يعنيه من تكامل في الأدوار لتنشئة أفراد قادرة على الاعتماد على الذات، وإثبات الوجود، وفرض النفس وسط الجماعة والمحيط، فمهمة المتابعة و"التَّنقية التربوية" لما يكتسبه الأبناء تظل مهمة الوالدين بالأساس، فعمليات التواصل المجتمعي الجديدة في المخيم والتأثير والتأثر، تُسهم في انتقال مجموعة من السلوكيات بين أفراد المخيم.

وإيمانًا منَّا بما لهذه المخيَّمات من تأثير تربويٍّ إيجابي فاعل، طويل الأمد، ورغبةً في تعزيز الاندماج الاجتماعي بين أبنائنا الطلاب؛ تطويرًا لمهاراتهم، وتعزيزًا لقدراتهم، تضع "الرؤية" اليوم لبنةً جديدة في جدار الرعاية المجتمعية التشاركية بهذه الفئة العُمرية، ببدء تقديم مناشط مخيمِّها الصيفي "الإعلامي الصغير"، والذي يستمر شهرًا كاملًا بخارطة برامجية يُقدِّمها مدربون على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة، تستهدف تنمية مواهب أبنائنا الطلاب في مختلف المجالات والفنون، وحملهم على الإبداع، وكسر نمط الأنشطة التقليدية، بآفاق جديدة تعمل على توسيع مداركهم، وتعزِّز روح الفريق والتشارك بينهم؛ حيث تستهدف مبادرتنا هذه تشكيل فِرَق عمل لزيادة التنافس؛ سواءً فيما يتعلق بالآلة الإعلامية (الصحافة والإذاعة والتليفزيون)، أو أنشطة الذكاء، والرياضة، والفن التشكيلي، والتأليف، والمهارات القيادية، والإلقاء، إضافة لعدد من الزيارات الميدانية الهادفة، والتي تم اختيارها بعناية فائقة، نأمل أن تُكلَّل بتحقيق الغايات المرسومة لها بنهاية مناشط المخيم.

وعلى كلٍّ.. يبقى أن أقول: إنَّ المخيمات الصيفية اليوم -وفي ظل هذا الرواج الواسع للتقنية الحديثة التي جعلتْ من أبنائنا أسرَى لأجهزة إلكترونية في أيديهم، وعَزَلتهم عن محيطهم المجتمعي- أصبحت ضرورة؛ لما تُمثله من مساحات زمنية حُرَّة، يتمتع فيها أبناؤنا بفرصة المشاركة والتعبير عن إبداعاتهم، واستثمار أوقات فراغهم؛ امتصاصًا لطاقات سلبية واستبدالها بأخرى إيجابية، فأطفالنا يمتلكون من الطاقات ما يستحق أن يُستثمر؛ بما يسمح لهم بالاستمرار للحصول على مزيد من ألوان النجاح والتفاعل.. وهي رسالةُ أب وولي أمر، قبل أن تكون رسالة إعلامي، بأنْ نرفع جميعًا من الآن وصاعدًا شعار: "أبناءنا الطلاب.. صيفُكم مُمتع وإيجابي".