المرأة بين النمط الثقافي ،،ومأزق سؤال الحرية


جمال قيسي – ناقد وروائي من العراق

لعل كل الأمر بات على الضفة الاخرى،،وهناك هوة وفجوة سيسوثقافية انفصم بها واقعنا فالامر في الأول والآخر هو هيمنة الآخر المتمثل بالغرب ومشروعه  للسطوة وبطبيعة الحال الأمر طبيعي بحكم قوانين الصراع  والجدل  ولكن الجدل أو الديالكتيك  هذه المرة نزل إلى العمق ليخلق دوامة  تصهر كل المعطيات القديمة لتخلق معطيات جديدة.
حقيقة الموضوع مع تحفظي على كلمة الحقيقة متشعب الأطراف وبحاجة إلى دراسة أكاديمية جماعية بمختلف العلوم الإنسانية لذلك سوف أستعرض وجهة نظري التي كنت أبثها في مقالاتي المختلفة أو من خلال عملي الروائي (نساء المجرة) وهي تبقى جهدًا فرديًا لابد أن يتملكه النقص لذلك ألتمس العذر من القراء إن  أصابني  الخطأ أو الزلل.
كنت أروم دراسة الموضوع منذ فترة وأحاول أن ألملم  الأسانيد العلمية لذلك ولكن بحكم توجهي في العمل الروائي الأمر الذي يولد  الملل في البحث الأكاديمي ومع ذلك  حاولت جهد الإمكان ان يكون المقال او الدراسة محكَّمة علميًّا ولكن بأسلوب روائي حتى لايشعر القارئ بالملل وبالأخص السيدات المحترمات واللاتي أعلم مسبقًا أن الكثيرات منهن  ربما يعترضن على بعض الأفكار والرؤى  ولا أخفي سرًا أن من  عجل بكتابة هذه الدراسة هو قرائتي لمنشورين الأول للشاعرة السورية (سعاد محمد) والأديبة  العراقية السيدة (وديان سعد) مع  إن  كل من السيدتين قد طرحت وجهة نظر من زاوية معينة.
في بداية عقد الثمانينات من القرن المنصرم  وخلال دراستي في معهد الفنون الجميلة  قسم الفنون التشكيلية  وانبهاري بالأعمال الفنية الأوربية وبالذات الفن الحديث كانت تستوقفني لوحات بيكاسو وفي قرارة نفسي أراها  من البشاعة بمكان  يضعني في حيرة  لماذا يعتبر بيكاسو أهم فنان في التاريخ ؟  الشيء الآخر الذي  شكل مدار سؤال مزمن لماذا معظم لوحاته تتناول المرأة؟ الحقيقة لم أعرف  الجواب إلا بعد أكثر من عقدين من الزمن وبعد أن انهمكت بدراسة الأدب والتاريخ والفلسفة والانثربولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع يالها من رحلة شاقة
لقد تمكنت في نهاية المطاف من استيعاب خطورة بيكاسو وأهميته لكن قضية المرأة بقيت على الحال نفسها لأنها قضية مطروحة في أعمال بيكاسو على شكل أحجية متراكبة الأسئلة مع إنه أشار إلى تاريخانية التحول الذي طرأ على المرأة لكن هذا لايعني أنه تمكن من فك ألغاز الأحجية.
هذا العبقري بحكم بصيرته النافذة أشاح  الستار عن حقيقة المرأة كبنى تاريخية وكيف إن هذه البنى أخذت تتفكك ومن ثم تتشكل هي ليست ذات المرأة في أعمال  وليم غودوارد التي  تجسد روعة الفن الإلهي وليست المرأة عند روزيتي التي تمثل الشيطان الجميل.
ومع إن سلفادور دالي قد مارس التفكيك في أسلوبه السوريالي  لتجسيد غالا  التي شكلت  أيقونة  المنظومة الرمزية على السواء عند فرويد  ويونغ  يبقى أن نقول إن بيكاسو طرح بعبقرية تصويرية  التحولات العميقة في تموقع المرأة.
وعودا على بدء بعد أن استعرضت جزء من تطور مفهوم المرأة ثقافيا  في الغرب وكل هذا تمهيد للغوص  في قضية المرأة الشرقية وبالذات المسلمة وتموقعها وانعكاسها على التغيرات الجوهرية  التي نشهدها  في بلداننا فإن كل مايجري من صراعات  وتناحر مشاريع يعود إلى قضية المرأة وسنتبين ذلك  وفق ثلاث قضايا جوهرية أولها  تعريف المرأة وثانيها النمط الثقافي الذي يعيش حالة صراع كبير وهو الأمر الذي أوجب أن نعرج على مفهوم القوامة وثالثها هو سؤال الحرية.
الموضوع ليس فيه أي  محاولة فلسفية أي بمعنى  ليس هناك  إثارة أسئلة للبحث من اجل إيجاد   أجوبة عنها وكذلك ليست رؤية رومانسية او حالمة  أو إنشاء  وكذلك ليس ترويج لكتاباتي. او عملي الروائي حسب ما أشار  إليه احد الأصدقاء  لكني فقط أشرت في المقال السابق  إلى أن محور كتاباتي تدور حول هذا الموضوع  أي المرأة أما لماذا المرأة؟  فهذا بالتأكيد ما  سيتم الإجابة عليه بمجمل النتائج المتوخاة من البحث. وسيكون  هذا المبحث فقط عن  تعريف المرأة.
المرأة وحدها تشكل نسقًا ثقافيا،،اي بمعنى مجموعة من البنى المنتظمة التي تقوم باجراءات وظيفية لتشكل في النهاية الجزء الأهم. من حياتنا المعيشة،،واهم هذه البنى هي  البرمجة البايولوجية والبنية الاجتماعية والبنية السايكلوجية والبنية التاريخانية  ،،والبنية الهرمونية المحايثة  للبرمجة. البايولوجية  ،،بالاضافة الى الخصيصة النادرة في التكوين المورفولوجي ،،
ربما لم يتطرق احدًا الى تعريف المرأة بالشكل الدقيق،،وأنا اعتقد السبب يعود إلى الهيمنة الذكورية عبر التاريخ. على الجانب المعرفي  وطالما حكمنا على تعريفها بالنسق الثقافي  وهو نسق يمثل جوهر الحياة واستعرضنا بعض البنى لهذا النسق علينا ان نعرف ان  بعض هذه البنى التي ذكرنا منها الثابت ومنها المتحول  حسب التموقع السوسيوثقافي  فالثابت  البرمجة البايولوجية  والبنية الهرمونية والتكوين المورفولوجي، اما بقية البنى في مرتبطة بقضية تقسيم العمل  أي بين أن يكون المجتمع رعوي أو زراعي او صناعي أو بدوي..الخ.
المرأة في مطلق الاحوال بحكم تكوينها المورفولوجي اي تركيبها الجسدي الخارجي والداخلي هي  أشبه بشبكة صيد مغرية للرجل مع  فيض هرموني يأسر الرجل بمطلق الأحوال  في الأصعدة الأساسية الثلاث: الواقعي والخيالي والرمزي في دواخل الرجل تكمن لديه الرغبة واللذة  وعند المرأة ربما هناك أمر يتخطى اللذة  وهنا نقصد الأمومة  فقضية مثل الحب هي مجرد ادعائات مضللة  ونوع من الدفاع للأنا النرسسية  لدى الرجل تتحطم مع واقعية المرأة رغم كل الشبكة اللطيفة  التي تتسلح بها فإن طبيعة البرمجة البايولوجية  للمرأة  هي استمرار ديمومي للحفاظ على الحياة من حيث هي جوهر، أما  كل قصص الحب والشعر هي مجرد هروب ميتافيزيقي أي إن الانا النرسسية في دفاعها عن نفسها لاتجد تكاملها إلا في الأدب وهو  الصعيد الخيالي فيما تكمن محاولة  تنفيذ الرغبة واللذة  في الصعيد الرمزي ومحاولة إيجاد سيناريو لتنفيذها  داخل النفس  بسياقات غير مشروعة.
ومع ذلك فإن ممارسة الجنس بالنسبة للمرأة في الأطر غير الشرعية وفق تنسيبنا  لا تأخذ مداها عند المرأة  مثلما عند الرجل لسبب بسيط أنها تمارس صنع الحياة وديمومتها بينما عند الرجل يعتبرها انتهاكا لقيمه الذكورية من هنا المرأة مهيأة لصنع الواقع لانها واقعية عكس الرجل صاحب المخيال المهيمن.
ربما هذا الطرح لايعجب البعض ولكن لاحقا ستكون الفكرة أكثر وضوحاً ولكني لم أشأ أن أطيل حتى لا يصاب القارئ بملل.
ولكي نتخطى هذا المبحث (ماهي المرأة ؟)  الذي ربما يستطيل إلى مديات بعيدة. فقط ،أودّ أن أوضح أمر وهو ما أشار إليه أحد الأصدقاء في التعليقات.
نعم هناك فرق واضح بين عقل المرأة وعقل الرجل  وهو ما أثبتته. الدراسات ومنها الإكلينيكية فإن عقل الرجل يختلف عن عقل المرأة طبعاً ليس اسوأ أو أفضل إنما الفرق بطريقة اشتغاله فعقل المرأة أكثر تنظيما من عقل الرجل لأنها بحكم المديات الإطارية سواء المحيطة أو الداخلية ولأنها  بحكم  الطبيعة المسؤولة عن  نواة العائلة وفي تنظيم شؤنها منذ بدايات تقسيم العمل وحتى ١٩٩٥ كان لابد من  أن  تكتسب من ضمن مورثاتها بالإضافة إلى الأولويات، والتنظيم الذي ينعكس على طبيعة وظيفة التفكير، أما الحديث النبوي ( النساء ناقصات عقل ودين) فإن تأويله عبارة عن فرية كبرى وتحريف  عن المعنى الحقيقي المراد منه ولست هنا بالمدافع عن الدين ولكن هذا الحديث وأحكام القوامة التي سنتحدث عنها لاحقا أوقعتني في لَبْس كبير إذ كيف لدين يدعي تكريم بني آدم  ومن جهة أخرى يحط من قدره والحقيقة. هذا الأمر سحبني إلى  مستويات مختلفة أولها  قضية التأويل الباطل للتاريخ وتوظيف الدين في خدمة المستغل  ليشكل عبأً ثقيلا على الإنسان لدرجة إقصائه  وذلك باعتبار الحياة الدنيا (الحياة المعيشة)  هي مجرد اختبار وخنوع وخضوع  للمستغل. وتكريس. للاستبداد من خلال إضفاء الشرعية للسلطة المهيمنة  سياسية أو دينية وكذلك ترسيخ العبودية للمرأة مع إن الانسان هو الحامل الرئيس للأيديولوجية  الدينية  ومادتها وإقصاء الحامل هو بالتالي إقصاء للأيديولوجية  نفسها  ومن قال إن المرأة نصف المجتمع من دعاة التحرر فهو واهم؛ المرأة هي النسق الثقافي الوحيد في المجتمع ودور الرجل لايشكل إلا  جزءًا بسيطا من هذه المعادلة لايمكننا تصور مجتمع مكون من مئة بشري كأن تكون نسبة النساء فيه ٥٪ والرجال ٩٥٪ في حين إن العكس هو الممكن بالإضافة إلى أن أي تجمع ذكوري بحت أو عالي النسبة هو تجمع عدواني،،حتى وإن كان تجمع ديني ففي البحث الشيق للانثربولوجي الكبير ليفي شتراوس أثبت أن توسع المجتمعات وقيامها كان على أساس نسق القرابة أو تداول النساء في المجتمعات الأولية وهذا لم يتم إلا بنِسَب معقولة  من النساء أي إن هناك فائض نساء؛ أي بمعنى فائض حياة.
وعودة للحديث النبوي (النساء ناقصات عقل ودين) أقول إن العقل في المعاجم اللغوية  يراد بها الديّة وكانت ديّة المرأة نصف دية الرجل  عند العرب لأن المرأة لايمكنها القيام بالعدوان  في مجتمع أساسه القوة البدنية، أما ناقصات دين أي بمعنى أن العبادات من صلاة وصوم  لاتشمل النساء في فترة المحيض  ولم يراد بالحديث اي وجهة للانتقاص من المرأة بل هو توضيح  لما لها من حقوق،  أو عليها من واجبات؛ لكن التأويل الجائر بحكم العقل الذكوري  وهيمنته أدى إلى هذا اللبس؛ بل ربما كان الدين  الإسلامي هو حالة انقلاب جذري للحياة في الجزيرة العربية إلا أن المراحل اللاحقة شكلت نوع من بناء السلطة الدنيوية بكل ما تحمله من تعسف وجورربما أكون غير منصف في الحكم  لأن عزل الحدث عن سياقه التاريخي هو التعسف بعينه لكن نظرة منصفة لطبيعة الدعوة الشاملة لخطاب القرأن تستكشف أن محورها الإنسان والحياة المعيشة لكي تكون كريمة وفق ظروفها وتستكشف في نفس الوقت نفسه طبيعة التأويل الجائر لهذا الخطاب.

 

تعليق عبر الفيس بوك