بلد عظيم بلا منتخب..!

وليد الخفيف

عندما يتحوَّل لاعب كرة القدم إلى ممثل إعلانات، ويصبح البحث عن المصالح الشخصية أولوية اتحاد هاني أبو ريدة (رئيس اتحاد الكرة المصري)، تزامنًا مع معسكر "سداح مداح" مُستباحة أرجاؤه لكل من يدفع.. سماسرة القنوات الفضائية منتشرون بكثافة في باحة فندق الإقامة بسوق الجمعة، وربما امتهن أحد اللاعبين مهنة السمسرة لإقناع زملائه بالظهور الإعلامي لمن يدفع.. حفلات لتعزيز مآرب شخصية، والزج باسم صلاح في قصص شيشانية، ليُصبح الانهيار في النهاية واقعا منطقيا لمؤامرة أدواتها المادة، ومقصدها المادة، ومتحمل فاتورتها جمهور بسيط دافَع بإخلاص عن ألوان علم يرصع قميص أشباه لاعبين.

لقد كان السيناريو الأسوأ في انتظار منتخب ارتدى خطأً قميص مصر، ثلاث خسائر بأداء باهت فنيا، أجوف وسطحي تكتيكيا، شحيح العطاء، قليل العمل، فاقد التركيز، فربما انتقل ألزهايمر الكروي من كوبر للاعبيه، فلم يشهد العام الحالي أي انتصار لهذا الفريق، مما أنساهم كرة القدم الحقيقية، ليتفرغوا بالبحث عن سبل جني الغنائم في "مولد المونديال".

أداء بلا طعم ولا لون ولا رائحة.. تشبع في نفوس متعجرفة بالترف، نفوس أدركت أنه لا حساب لأنهم فوق المساءلة، فلم يرَ المشجِّع المصري البسيط الرغبة والإصرار في عيون ممثليه، بل لمس التخاذل والتقاعس حاضريْن لمنظومة لا ترتقِ لتمثيل بلدٍ لعب كرة القدم أوائل القرن الماضي، فثوب الرجولة غالٍ أما ثوب الغنائم فزائل.

قصة الفشل، بدأتْ بالتجديد لكوبر الذي يلعب بطريقة "باصي لصلاح"، وامتدت حلقاتها المُملة بقائمة اللامنطق التي استبعد فيها من يستحق، وبقي بها من لا يستحق، ثم تواصلت الحكايات، فدخلنا في نفق الطائرة ومحاولة تدمير محمد صلاح، تحت وطأة مصالح البعض، وصولا لمباريات ودية استُخدمت كسلاح لإسقاط بعض المغضوب عليهم، حتى وصول المنتخب لروسيا لتبدأ قصص جديدة، أبرزها مكان إقامة المنتخب في الشيشان، والسبب الحقيقي لذلك؛ نظرا لبُعد المسافة عن ملاعب إقامة المباريات، ثمَّ اختراق الفندق بمجموعات لم يشهد التاريخ أنها كانت فأل خَيْر على الكرة المصرية، حتى انتهت الحكاية بسقوط مروع، وحان وقت القفز من السفينة التي تهاوى، ولامست القاع، واختلطتْ بالطين.

وربما كان الجمهور خَيْر مُحلِّل للمشهد العبثي، فذكر مُسبقا أنَّ المنتخب يمرُّ بحالة فنية متردِّية، بيد أن إعلام "الطبلة والمزمار البلدي" كان حاضرا، يُغطي ببراعة على تلك الأصوات الصادقة، بأبواق تفوح منها روائح المصلحة.

فما أجمل أن يكون مسؤولو اتحاد الكرة يمتهنُون الإعلام، ليروا كلَّ مساء إنجازات وهمية في بلد كان أمل مواطنيه الابتسام في أيام حالكة القساوة، لتُصبح مهنة الحقيقة جسرا لتمرير مصالح دفع ثمنها الجمهور المصري من دمه حزنا، والتَّحية لكل الشركات الراعية على جهودها الحثيثة في تدمير الكرة المصرية بمؤامرة مكتملة الأركان، مع اتحاد كرة يضع نفسه كأولوية، وينظر من وراء زجاج حاجب لأنين شعب عظيم. فهل من محاسبة لهؤلاء؟