السلحفاة أسرع من التطور التنموي

حَمَد بن سالم العلوي

لَيْست كلُّ رغبة في النَّفس بالتطوير، أو مَنشورة في الخطط تُعد أمراً نافذا في واقع الحال؛ لأن هناك جدراناً قوية تحيط بكل رغبة في التقدم والنمو الاعتيادي، فإن لم يوجد مركز التخطيط والإشراف، فلن تكون هناك سلاسة في التنفيذ؛ لأنَّ هناك من يقاوم التغيير، ليس كرهاً فيه. وإنَّما خوفاً من المجهول، وحتى إذا أوتِي بمسؤول مُتعلِّم خبير، ومُتفتح الفكر وراغب في التغيير، لكنه لا يجيد فن القيادة والإدارة، وضعيف في اتخاذ القرارات، وضعيف في تحديد الأهداف، ويجد صعوبة في الإقناع، وخبرته في العمل محدودة، فإن مستقبله محكُوم بالفشل، لأنه سيدخل معركة بأدوات ضعيفة؛ فهو أمامه دفاعات عتيدة قوية، ومُتمرسة في صد الغازي لفكرهم المتحجر، وشعارهم التقليد على علاته ويزيدون عليه عبارة اصبر على مجنونك، ويفضلون مصطلح الدوام على مصطلح العمل، والسير بجوار الحيط لا يفقدون الدرب.

أعرف مسؤولاً سابقاً كان حازماً في عمله، ومبادراً في التطوير الإبداعي؛ بمعنَى أوضح لا يقبل أن يستلم كرسي الوظيفة، ويسلمه لغيره دون أن يحدث تطويراً جذريًّا في المؤسسة التي يتولاها، وكان يواجه مشقة كبيرة ليس في هندسة الإنتاج، والإبداع الكبير الذي سيحدثه في المكان، وإنما تواجهه صعوبة كبرى مع الموظف "الديناصور" المتحجر عقليًّا، والمجبول على التقليد الأعمى، حتى لو كان يعرف أنَّ الأسلوب الذي يتبعه خاطئاً، إلا أنه يجد ارتياحاً شديداً في تطبيق ذلك الموروث، فهذا المسؤول كان يجد مقاومة عنيفة وتذمراً شديدين من مرؤوسيه على تطبيق الشيء الجديد، وعندما يسألهم لماذا هذا الاعتراض؟! يقولون له: نخاف عليك من تحمُّل مسؤولية فوق طاقتك، وهم في الواقع يقيسون الأمر على واقعهم هم، وليس طاقاتهم المربوطة، وليست المحدودة كما يظنون، فظل فترة طويلة يقنع في الموظفين أن الذي يقوم به في صالح العمل، وأن الإنتاج سيكون أفضل، والإنجاز أكبر من ذي قبل.. فلا يصدقون، ولولا أن شخصيته القيادية كانت الأقوى، وإلا لتغلبوا عليه بتهويلاتهم، ولما استطاع أن يغير شيئاً فيهم.

ولكن بَعْدما استطاع إقناعهم، ورَسَم لهم خارطة في إنجاز العمل، وحدَّد وقتا تقريبيًّا لكل جزئية من فعاليات العمل لإنجازها؛ فبذلك استطاع أن يرتقي بالإنجاز اليومي، حتى بلغ الفارق أكثر من الضعف، وبنفس العدد من الموظفين، وقلت نسبة الأخطاء نتيجة لوضوخ الأهداف، فزادت مهارة الأفراد، وارتفعت الروح المعنوية، عندما اطمأنوا إلى مرجعيتهم القيادية، وشكل لهم مظلة حماية، وانتزع من نفوسهم الخوف من المجهول، وقلل من عدد المرجفين لهم بالتخويف، نتيجة تحييد الفاسدين، والسائرين بالسلبية بينهم، وذلك بالإشراف والمراقبة والمحاسبة، فالمجيد يجازى على بذله وعطائه، والمفسد يحاسب وقد يُبعد عن متابعة الضرر، إذا عجز في إصلاحه وتغير ما بنفسه من تخاذل.

إذن؛ لا يَكْفِي أن يؤتَى بمصلح على رأس المؤسسة، إذا كان يفتقد الشخصية القيادية المبدعة، والقادرة على تحمل المسؤولية، وإلا ستطيح به الكثرة، وسيصبح مجرد محلل شرعي للأخطاء التراكمية التصاعدية في المؤسسة، وستظل "تسحك" تحت وطأة الفساد المبطن، الذي يرفع شعار الوطنية، والإخلاص في العمل لذرِّ الرماد في أعين الجبناء والبسطاء من الناس، فيظل الناس ينظرون إلى المسؤول الجديد، نظرة طمأنة ورجاء بأن يحدث التغيير، ولكنهم يكتشفون بعد مضي الوقت، وضياع الأمل، إنه ذاب مع الغالبية المحبطة، وصعب عليه الإبحار في بحر مظلم من الإخفاقات، وهنا يفقد هذا المنقذ المرتجى البوصلة، فتقوده الأكثرية إلى حيث هي سائرة، فيبدأ الناس في الحديث عن الفشل، وضرورة التغيير والإصلاح، وهكذا يمر الوقت دواليك، دون تحقق الأهداف المرسومة.

إن استيراد كل شيء من الخارج، يمثل نقطة ضعف لنا، ومسٌّ بالكبرياء العُمانية، بأن يكون المشتري عُمانيا، والبائع وافدا داخل وطننا، فتلك قمة الشقاء، إذن على الحكومة والمجتمع أن يضعا خطة ينفذانها معاً في تغير هذا الواقع، الذي يضرُّ ضرراً كبيراً بالسيادة الوطنية، ونحن نمتلك كل مقومات الحياة الكريمة، بالنظر إلى موقع السلطنة الجغرافي، والتاريخي وحتى الإنساني والأخلاقي؛ فالتجارة بين القارات كانت صناعتنا؛ لذلك كان لدينا أكبر أسطول بحري لحمايتها؛ فأحياء هذا الجانب يحتاج مجرد قرار، والزراعة كانت مهنتنا كذلك، فاليوم ونحن ننعم بنعمة الأمن والأمان، يحق لنا أن نكون مركزاً عالميًّا لرأس المال الدولي، وأن نكون المركز المنافس سياحيًّا للعالم أجمع؛ لأنَّ لدينا مقومات السياحة لولا ضعف الخدمات، وهذا أيضاً يلزمه القرار والرغبة من المسؤولين.

لقد مضى على عمر النهضة العُمانية، ما يقارب خمسة عقود، وإن الذي تحقق كثيرٌ، مُقارنة مع ما كانت عليه الحال عام السبعين من القرن الماضي، ولكن الظن بنا كعُمانيين ورثنا دولة صاحبة تاريخ عميق ومجد تليد، ألا يُشبع طموحنا هذا الذي تحقق، لأننا نقف على أساس راسخ من الموروث القوي، المحفز على التميز والبذل والعطاء من أجل الوطن عُمان، فيكفي أن نتطلع حولنا لنرى عظمة الإنسان العُماني في شواهد التاريخ، ليمنحنا هذا العبق الإنساني قوة العزيمة وقوة الإرادة، لنصنع بوسائل اليوم، ما يضاهي ما صنع بالأمس البعيد بوسائلهم المحدودة، وأن ندخل تميزنا بالعمل لا الغرور الأجوف في مناهجنا المدرسية، وأحاديث المجالس، حتى نمحو ثقافة المقارنات الجوفاء التي ترددها بعض وسائل إعلام كاذبة، ليس لها هم إلا الذم والسرقة، والإفساد في الأرض بغير حق.

إنَّ العَرَاقيل الكثيرة التي تحيط بالجوانب التنموية في بلادنا، تمثل الفرملة التلقائية للتقدم والتطور، فكلما دخلنا عقداً من عقود النهضة العُمانية الحديثة، وعقدنا مقارنة مع العقد السابق، فلا نجد فارقاً ملموساً، عدا في زيادة العمران والطرق وزيادة السكان، أما التجارة والصناعة وفيها عصب الحياة فهي على حالها، أي نفس الشركات الكبيرة تزداد ضخامة وتضخماً، وهناك زيادة أفقية لا متناهية للتجارة والصناعة التي بيد الوافدين، والتجارة المستترة كذلك في تلونٍ وازدياد، وهي تنمو نتيجة الفساد المبطن، والبيروقراطية الإدارية والديناصورية الوظيفية، وعدم وجود نظام تحريك الأشخاص على الوظائف العامة، وضعف الإشراف والمحاسبة، وتعقيد الإجراءات القانونية للمحاسبة الإدارية.

إذن؛ نحتاج إلى قرارات جريئة وشجاعة ومسؤولة، وإرادة قوية من كل وطني غيور، والتعاون والتعاضد بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، حينها سنفعل ما فعلته دول قليلة ناجحة حول العالم، وأن نأخذ العبرة من تلك الدول التي كانت فاشلة، فغير فشلها إلى نجاح بعقيدة فرد مسؤول، ونحن نعلم تلك الدول، ولكن لا نحب تقليدها خوفاً من عدم امتلاك المعجزة، أما سفاسف الأمور فتغري الضعفاء من الجالسين وراء شبكة التواصل، أما نحن فإذا عزمنا الأمر، وتوكلنا على الله، فسنأتي التطور من عليائه إلى النجاح، وليس من الفشل نصعد إليه طلبا في النجاح.. حفظ الله عُمان وسلطانها المبجل، والله ولي التوفيق والسداد.

تعليق عبر الفيس بوك