ثنائية الإسلام والمسلمين في الغرب!

 

د. يحيى أبوزكريا

في كتابه الرائع عن الإسلام في السويد، يُخصصّ الكاتب السويدي المتخصص في القضايا الإسلامية يان سامويلسون فصلا استشرافيّا كاملا عن مستقبل الإسلام في السويد، وذلك تحت عنوان "الإسلام سنة 2020 في السويد"، وذلك في صفحة 156. ويعترف سامويلسون بأنَّ الإسلام أصبح حقا ليس ضمن المعادلة السويدية فحسب، بل بات جزءا من المعادلة الأوروبية، ولا شك أن أولاد المسلمين سيلعبون أكبر الأدوار في تاريخ أوروبا المستقبلي، غير أنَّ واقع المسلمين اليوم في أوروبا لا يسر على الإطلاق على صعيد انتشار البطالة والجرائم والمخالفات القانونية الكثيرة بين المسلمين، ومثل هذه المسلكية هي التي أعطت الغربيين انطباعا خاطئا عن الإسلام في الغرب. ومعظم المسلمين الذين يوجدون في الغرب لا يعرفون من الإسلام إلا بعض فرائضه وجزئياته دون كلياته ومنابعه، إلى درجة أنَّ بعض الغربيين يتصورون أنَّ الإسلام هو مجرد لحم حلال، وعدم أكل لحم الخنزير والجهاد ومعاداة الغربيين، والواقع أن القيمين على الدعوة الإسلامية في السويد خصوصا، وفي الغرب عموما، لا يملكون مؤهلات أن يكونوا في صفوف الدعاة، ولا يتمكنّون حتى من اللغة السويدية؛ وبالتالي لم يكن في وسع السويديين والغربيين استيعاب أبعاد حضارية الاسلام، وفي السويد بات العديد من الكتّاب السويديين أفقه من كثير من العرب والمسلمين في توصيف الحضارة الاسلامية؛ فالدبلوماسي السويدي انغمار كارلسون في كتابه "الإسلام وأوروبا" ينصف الحضارة الإسلامية، ويتحدث بقناعة تامة عن إمكانية التعايش بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وفي كتابه "الإسلام في السويد" يذهب كاتبه يان سامويلسون إلى القول بأنَّ الإسلام أشد حضارة مما يظنه الكثير من المسيحيين، ويذهب إلى القول أيضًا بأنَّ الإسلام هو مدرسة قائمة في حدِّ ذاتها وليس الإسلام صورة منسوخة عن المسيحية كما يعتقد كثير من المسيحيين في الغرب.

وفي الوقت الذي تعترف فيه النخبة المثقفة في السويد بحضارية الإسلام، فإنَّ بعض المحسوبين على العالم الإسلامي أعلنوا إلحادهم في السويد وكفرهم، وباتوا في طليعة الدعاة إلى حرمان المسلمين من ممارسة شعائرهم في السويد، علما بأن مبدأ حرية الأديان هو مبدأ مقدّس في السويد وبموجبه يحق لكل أتباع الديانات أن يمارسوا شعائرهم دون تفرقة عنصرية، ومن هؤلاء نكرة يدعى إسماعيل ميلادي دعا لحظر الحجاب في السويد، وتحديدا على بنات المدارس من المسلمات، وفي حصة في القناة الرابعة السويدية حول الختان، كان أحد اليهود السويديين يدافع عن الختان باعتباره شرعة الأنبياء فيما أعلن الذي جئنا على ذكره بأن الختان ظاهرة بربرية، وعندما عرفته المذيعة السويدية، قالت: صاحب المداخلة هذا تخلَّى عن إسلامه.

وفي نفس اليوم تحديدا -ولا أدري إذا يوجد اتفاق بين القنوات السويدية- بل وفي نفس الوقت أذاعت القناة الثانية السويدية برنامجا حول الحجاب بمشاركة العديد من المحجبّاب من أصول عربية وإسلامية، والعديد من السافرات أيضا من أصول عربية وإسلامية، وفيما كانت فتيات مسلمات يدافعن عن حجابهنّ كانت سافرة إيرانية ترأس تحرير مجلة نسوية مغمورة في السويد تتهم الحجاب؛ بكونه ليس فريضة إسلامية، بل شعار سياسي لمجموعة من المتعصبين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية، وكان المخرج الذي يقف وراء الكاميرا، والمخرج الذي يقف وراء الفكرة أيضا ذكيا إلى درجة أنَّه تمكن أن ينقل للمشاهد السويدي -والذي له انطباع سيئ عن الإسلام- حجم التفاوت النظري بين المسلمين أنفسهم والذين بات الكثير منهم مجرد عينات لتجارب أنتروبولوجية وسوسيولوجية ونفسية وحضارية أيضا.

وإقدام المئات من المسلمين على الجنح والجرائم والصراعات والسطو والاتجار بالمخدرات والتحايل على مؤسسات الدولة السويدية، وعدم البحث الجاد عن العمل والاكتفاء بالعيش على حساب المؤسسات الاجتماعية أدى لبلورة صورة سلبية عن الإسلام.

ففي منطقة سويدية -على سبيل المثال- أراد أحد الشباب السويديين أن يسلم، فتوجه إلى مسجد للشيعة الذين صورّوا له أن صحابة محمد كفار، ومن ثم توجه إلى مسجد للسنة الذي سمع فيه تكفيرا للشيعة فاحتار في أمره، وظنّ أنَّ الإسلام دين يقوم على التكفير لا على المودة والرحمة كما قرأ.

وغير هذا، فهُناك تلك السويدية التي تعرَّفت إلى الإسلام، واقتنعتْ به وارتدت الحجاب، ثمَّ أحبّت أن تتزوج مسلما، فتزوجت مسلما من العراق، وبدلًا من أن تجد فيه صفات الإسلام وجدته يدمن شرب الخمر وتعاطي المخدرات هو وأبوه، فقالت كما قالها أحدهم قبل قرن: الحمد لله أن عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.