تأكيد أهمية نشر ثقافة الادخار والالتزام بجدولة الاحتياجات على مدار العام

مواطنون: تقديم صرف الرواتب في الأعياد فخ يراكم الأعباء المالية ولا يخففها

 

المنذري: تقديم صرف الراتب يجعل المواطن كالمستجير من الرمضاء بالنار

 

السعيدي: الحل في توزيع الأعباء المالية على 12 شهرا

 

السناني: الالتزام بمبدأ "اشتري ما تحتاج.. لا ما تُريد" أفضل من الحلول المؤقتة

 

المقبالي: موعد صرف الرواتب لا يؤرق إلا أصحاب الحسابات غير المنظمة

 

المشيفري: بعض الأسر ترى في تقديم صرف الرواتب طوق نجاة مؤقت

 

 

 

أجمع عدد من المواطنين على أنَّ المطالبة بتقديم صرف الرواتب في مواسم الأعياد وغيرها تعد فخًا يورط الكثيرين في التزامات مالية مُعقدة في الشهور التالية، محذرين من أن هذه المطالبات لا تحل الأزمات المالية في المواسم والأعياد وإنما تؤجلها وتراكمها من شهر إلى آخر. وأكد المشاركون في استطلاع "الرؤية" ضرورة نشر ثقافة الادخار وجدولة الالتزامات المالية بدلاً من الاعتماد على حلول مؤقتة غير مجدية من نوعية تقديم صرف الرواتب، والترويج لأفكار وتجارب ناجحة في هذا الشأن تشجع الأطفال في سن مبكرة على التوفير وترتيب الأولويات عند التسويق في مواسم الأعياد وغيرها.

 

 

الرؤية – أحمد الجهوري

 

 

يقول حامد المنذري إن المناسبات الدينية تأتي في مواعيد معلومة للجميع، أي ليست من المفاجآت أو الطوارئ، ولأنَّ لكل فرد التزامات مالية سنوية فلابد له من رصد مبلغ مالي لها، ووضع خطة سنوية منظمة لتفادي الوقوع في الضائقة المادية قُبيل كل مناسبة، ومن هذا الباب أجد أن تقديم صرف الرواتب عادة غير صحية فهي تعود الفرد على العشوائية وإهمال تنظيم الأولويات أو وضع خطط واضحة، فإذا لم يُقدم له الراتب تأزم وإذا قُدِمَ له تأزم أيضاً في الشهر التالي فأصبح كالمستجير من الرمضاءِ بالنار.

 

ويرى المنذري أن ثقافة التسوق عِند كثير من الأسر غير منظمة ويغلب عليها طابع الشِراء الاندفاعي فقلما نجد الشخص الذي رتب قائمة الأولويات في ورقة ثم ذهب ليختار ما يُريد، وإنما يأخذ ما تقع عليه العين دون الوضع في الحسبان ما ينتظره من من تكاليف أخرى.

ويقترح المنذري على الأسر تقسيم المصاريف الموسمية على رأس كل سنة بطريقة منظمة ومقسمة على أجزاء فيوضع جزء منها للالتزامات السنوية الاعتيادية، كالأعياد ورسوم تأمين وتجديد السيارات مثلاً وغيرها من الالتزامات التي لها وقت معلوم، وجزء آخر يوضع في صندوق احتياطي لأي التزام طارئ، والجزء الأخير هو الجزء الاستهلاكي الذي ينبغي أن يُصرف وِفق تقسيم الأولويات والضروريات ثم الكماليات وِفق حِكمة "مد رجولك على قد لحافك".

 

ويضيف المنذري أن أسوأ مظاهر الإسراف حين يأخذ الشخص ما يفوق حاجته وتلك التي تكون على سبيل المظاهر والتفاخر دون أن يرأف الإنسان بنفسه ودون أن يبقى على كنز القناعة، لكنه يجاري الناس دون أن يتذكر أن لكِل أسرة مستواها المادي الخاص بها ومقدرتها المختلفة. لافتاً إلى أنَّ القاعدة التجارية تقول بأنه كلما زاد الطلب زاد السِعر، لذلك فإنَّ الأسعار قبل العيد عادةً ما ترتفع وتصبح غير مناسبة وقد تكون مبالغ فيها أحيانًا، ومن هنا فإنَّ التسوق قبل العيد بفترة جيدة يُعد خِطة اقتصادية مناسبة لتفادي الاستغلال وتفادي ضغط التكاليف في وقت واحد.

 

الاعتدال في التسوق

 

ويقول صلاح السعيدي إن عدة عوامل تتحكم في تقديم الرواتب، أولها الفئات العظمى من أفراد المجتمع والتي لا تساعد رواتبها على تأمين كافة مستلزمات العيد الأساسية، وتختلف إمكانية توفير هذه الأساسيات من أسرة لأخرى وفق إمكانياتها المادية والتزاماتها الشهرية. ثانياً توقيت صرف راتب العيد والمدة بينه وبين آخر راتب تم استلامه وعليه لابد مراعاة كافة هذه العوامل التي من الممكن أن نقيم هل هي حالة سلبية أو إيجابية.

ويضيف السعيدي: يجب ألا نعمم الأحكام، فلا يجوز القول إنّ الجميع لا يتمتعون بثقافة الشراء والتسوق، فالأساسيات التي أشرنا إليها لابد أن تكون متوفرة للأسرة من ملابس جديدة وأضاحي في عيد الأضحى، وبطبيعة الحال فإن ما يتحكم في ذلك مستوى الأسعار المبالغ فيه لكل هذه الأساسيات، أما الفرد الذي يبالغ في الشراء فإنه سيُعاني عاجلا أو آجلا من أزمات مادية.

وليتجنب رب الأسرة الضغط المالي وقت المناسبات، يقول السعيدي إن هناك طرقاً تخفف وطء ذلك وتكمن في الاستعداد المبكر للعيد خصوصًا للعائلات التي يكون فيها عدد الأطفال أكثر من 2، وقبل العيد بشهرين يمكن التجهيز بما يتناسب مع الميزانية ودخل الأسرة، أو استقطاع جزء من الدخل شهريًا لهذه المناسبة وعليه يتم التجهيز لها على مدار العام، حتى لا تشكل عبئاً على رب الأسرة في شهر واحد.

ويشير السعيدي إلى أنَّ الأضحية من أكثر مظاهر التبذير والإسراف المنتشرة في الأعياد والتي تشكل الهاجس الأكبر لبعض الأفراد، حيث لا يصح الأضحية بثور قد يزيد سعره على 500 ريال عن عائلة لا يزيد أفرادها عن 6 أشخاص. وعن تجربة شخصية، أرى أنه من السهل تغيير السلوك والتوفير دون التأثير على أهم متطلبات العيد.

 

سلوكيات "أمهات زمان"

 

وتقول نعيمة الهطالي إن تقديم صرف الرواتب مطلب غير سليم، لما يترتب عليه من تعسر مالي في الشهر التالي، حيث سيجري إنفاق الراتب على مستلزمات العيد بشكل غير محسوب وقد تمضي الأسرة فترة ما بعد العيد وحتى موعد الراتب الذي يليه في حاجة شديدة، لافتة إلى أنَّ الثقافة المالية تختلف بحسب مستوى دخل الأسرة، وعدد أفراد العائلة، حيث ربما لا يستطيع المعيل توفير جميع المتطلبات الأساسية لعائلته، أما العائلات الأكثر حظًا فربما نجد فيها المبالغين والمعتدلين في عمليات التسوق، سواء تم تقديم صرف الرواتب أو لم يحدث.

وتدعو الهطالية كل رب أسرة إلى التخطيط المالي في الفترة بين عيد الأضحى وعيد الفطر، وهي فترة كافية لترتيب الأولويات وادخار ما يكفي لالتزامات رمضان والعيدين، دون حاجة لتقديم صرف الرواتب أو غيره، مشيرة إلى فضيلة الالتزام بالسنة النبوية الشريفة بألا نحمل أنفسنا ما لا طاقة لنا به ماديًا، وعلى رب الأسرة أن يتقبل قول كلمة "لا" واستخدامها في الوقت المناسب عند زيادة المصروفات عن الحد المخطط له.

وتضيف الهطالية: عندما كنا صغارًا، كانت الأمهات تشتري لنا ملابس عيد الفطر ويتم الاحتفاظ بها حتى حلول عيد الأضحى، للاستفادة منها في أيام العيد مع إمكانية شراء ثوب واحد جديد لعيد الأضحى توفيرا للمال، أما الآن فتجد العائلة الواحدة تشتري أكثر من 4 أثواب لكل طفل في العيد، وهو ما يدخل في باب الإسراف.

 

 

 

ظاهرة غير صحية

 

ويرى أحمد السناني أنَّ تقديم الرواتب ليس ظاهرة صحية، لأن مصاريف العيد كثيرة ولا تنتهي في حال توفر المال، لهذا فإن بعض البنوك تطرح إمكانية تأجيل الأقساط باعتبارها ميزة للعملاء، مما أسهم في خلق سلوكيات غير حميدة، وقد أصبح الوضع مبالغا فيه بالحرص على شراء الكثير من الثياب الجديدة في كل عيد مع الإكسسوارات التي يمكن الاستغناء عنها.

ويوضح السناني أن من أهم أساليب الادخار نشر ثقافة عدم الإسراف في الشراء، وضرورة فهم المعنى الروحي للعيد أولا، وهو الفرحة بلمة الأسرة ولقاء الأصحاب وليس بالزينة المبالغ فيها فقط. ولابد من الالتزام بمبدأ "اشتري ما تحتاج، لا ما تريد" في كل وقت وليس في العيد فقط، كما يجب تطبيق سياسة تقسيم مصاريف العيد الإضافية على الأشهر السابقة للعيد، حتى لا يُفاجأ الفرد بأن الميزانية غير كافية.

ويقول صلاح المقبالي إن مسألة تقديم الرواتب من عدمها لا تؤرق إلا من كانت حساباته الشهرية غير منظمة، فالعملية تحتاج إلى إدارة صحيحة سواء تم تقديمها أو لا، موضحاً أن ثقافة تسوق الأسر العمانية تعتمد على مستوى دخل الفرد والنمط المعيشي لكل أسرة، فنجد الأسر ذات الدخل المرتفع تتسوق يما يفوق احتياجاتها، بينما متوسطي الدخل يتسوقون بشكل معتدل نوعًا ما، كما نجد من يبالغ في هذه الفئة من أجل المباهاة، أما قليلو الدخل فلا يلبون كل احتياجاتهم لضعف الدخل المادي، مؤكدا ضرورة الاعتدال في المصاريف وعدم تقليد الآخرين في سلوكياتهم المادية.

ويؤكد سالم اللمكي أنَّ المطالب الموسمية بتقديم الرواتب ليست ظاهرة صحية، وليست حلاً جذريا للمشاكل المادية في مواسم الأعياد وغيرها في ظل الغلاء، ويمكن القول إنَّ المطالبة بتقديم الرواتب مثل المسكن لا تعالج المرض لكن تخدره مؤقتاً، مشيرا إلى ضرورة الالتزام بمعدلات التسوق المنضبطة في حدود دخل كل فرد، ويمكن التغلب على زيادة الالتزامات في مواسم الأعياد وبداية الفصل الدراسي بتوزيع الأعباء المادية على باقي الشهور.

 

تجارب ناجحة للتوفير

 

ويلفت أمير الجهوري إلى أنَّ تجهيزات الاحتفال بالأعياد الدينية تؤثر ماديًا على كثير من الأسر العمانية في ظل المبالغة في شراء الأضاحي والملابس والمواد الغذائية وغيرها، محذرا من أن المطالبة بتقديم صرف الرواتب يعد فخا لا يشعر به الفرد إلا عند صرف راتب الشهر التالي، حيث إنه فرح بترحيل الأعباء المادية للأيام التالية، بدلاً من جدولتها بنظام محدد مسبقا.

ويشير الجهوري إلى وجود كثير من التجارب الناجحة لبعض الأسر التي تُخطط لشراء السلع التي يمكن تخزينها دون أن تفسد مثل الملابس وبعض أصناف المواد الغذائية قبل العيد بفترة طويلة، تجنبًا لزيادة الأسعار وزحام الأسواق، فضلاً عن تخفيف الأعباء المادية في الشهر الذي يشهد العيد أو غيره، كما يخصص البعض صندوقاً للادخار في المنزل من أجل احتياجات العيد أو العام الدراسي، لافتا إلى أن من أسوأ دوافع التبذير التنافس مع الآخرين في اقتناء الغالي الذي يفوق الميزانية المحددة لكل فرد، مما يدفع البعض إلى الاقتراض لسد هذا النقص، كما تغري كثير من الشركات المستهلكين بتقديم عروض بالتقسيط وتسهيلات دون دفعة مقدمة، مما يورط المواطن في التزامات مالية لا يتحملها في الشهور التالية.

ويقول فهد المشيفري إنه على الرغم من تأثير مسألة تقديم صرف الرواتب في الإخلال بجدول الالتزامات الشهرية لدى البعض، إلا أنه يعد بمثابة طوق نجاة لآخرين، خاصة بعض أصحاب الرواتب المنخفضة الذين لا تكفي رواتبهم لشراء احتياجاتهم الأساسية، فضلا عن مصاريف العيد المضاعفة. مشيرًا إلى أن رب العائلة قد يدرك زيادة الأعباء عليه في الشهر التالي، لكنه في المقابل يرى ذلك حلا أفضل من أن يأتي العيد على أسرته دون أن تسعد بالعيد وما يتميز به من احتفالات موسمية.

 

 

الالتزام بميزانية مُحددة

 

ويرى عبد الرحمن العبري أن تقديم صرف الرواتب في مواسم الأعياد وغيرها ليس في صالح الأفراد، داعياً إلى ضرورة توفير ميزانية محددة لمصاريف العيد قبل شهور من المناسبة لتجنب العسر المالي بعد العيد. ضاربا المثل بأسرته، حيث تعلم فيها أن يلتزم بإمكانياته المادية، حتى في مسألة أضحية العيد، إذ يمكن عدم شراء أضحية كاملة مقابل الاشتراك مع أحد أفراد العائلة في ذلك، تحقيقاً لمبدأين، الأول عدم الإسراف والالتزام بالحدود المادية المتاحة، والثاني الفرحة بمشاركة الآخرين في الخير.

وينبه سالم الصوافي إلى أن تقديم صرف الرواتب يورط الكثيرين في أزمة مالية في الشهر التالي للعيد، حيث يجدون أنفسهم مضطرين للانتظار مدة طويلة لحين صرف الراتب التالي، وهو ما لا يحل الأزمة وإنما يزيدها تعقيداً، لافتا إلى ضرورة نشر ثقافة الادخار بدلاً من "تخدير" الناس بمثل هذه التسهيلات التي لها من الضرر أكثر ما لها من المنافع.

أما أدريس العامري فيقول إنَّ تقديم صرف الرواتب ظاهرة غير صحية تعود المستفيد على عدم جدولة الاحتياجات وتوزيع الراتب حسب الإمكانيات والتجهيز المسبق، داعياً إلى عدم الإنجراف وراء إغراءات الإعلانات، والالتزام بالتوفير على مدار العام استعدادا لمواسم الأعياد وبداية العام الدراسي وغيرها، بدلاً من اللجوء إلى حلول مؤقتة لا تحل المشاكل إنما تراكمها.

 

تعليق عبر الفيس بوك