هل تنجح صفقة القرن رغم رفض الفلسطينيين؟

عبد الله العليان

لا تزال المعلومات شحيحة وغامضة عن خطة صفقة القرن، التي تحدث عنها العديد من الكتابات والتحليلات، التي ـ كما تقول ـ بعض الأنباء أنها من بنات أفكار ترامب، بالتنسيق مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتياهو، والواقع أنَّ هذه الصفقة، وجدت الظروف مواتية لتمرير هذه الخطة، بسبب الوضع العربي الراهن، من خلال الصراعات والخلافات والتوترات القائمة، وهذه المشاريع التي تطرح وتختفي بين الحين والآخر، تُذكرني بمشروع سابق بعد احتلال العراق عام 2003، والذي أطلق عليه مشروع (الشرق الأوسط الكبير)، وهو أيضًا جاء امتدادا، لمشروع سابق للرئيس الإسرائيلي الراحل، شيمون بيريز الذي سماه (الشرق الأوسط الجديد)، وصدر في كتاب بعد حرب الخليج الثانية، بعد تحرير الكويت عام 1991، واللافت أنَّ هذه المشاريع المتكررة ، تأتي بعد كل أزمة أو أزمات عربية وخلافات وصراعات هنا وهناك، وتتحين الفرص لفرض أو إيجاد منافذ وفتحات لتنفيذ هذه المشاريع في الشرق الأوسط، التي تتجاوز حتى القوانين الدولية التي جاءت حلا للأراضي العربية المحتلة!! بعد احتلال الأراضي الفلسطينية في حرب 1948، وحرب 1967، وهي واضحة ومحددة بقرارات بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس، لكن الولايات المتحدة لم توافق على هذه القرارات الدولية، وتستخدم حق النقض (الفيتو) في أية قرارات عادلة ضد إسرائيل، وخطة القرن التي يُقال إنه سيتم الإعلان عنها قريبًا، هي امتداد لهذه المشاريع والخطط لحل القضية، لكن التوقعات أنها ليست حلولا عادلة، بل هي مشاريع لتكريس الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية ناقصة السيادة، ولذلك السلطة الفلسطينية انتقدت هذه الخطة - صفقة القرن- واعتبرتها ضد الحق الفلسطيني العادل، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس من "أن مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل القضية الفلسطينية مرفوض، وأكد أنَّ إسرائيل أنهت مسار أوسلو، وأنه لا مجال للتنازل عن القدس عاصمة لدولة فلسطين".. قال نبيل أبو ردينة الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية: "إنَّ الحديث عن جولة أمريكية جديدة لدول المنطقة بهدف بحث ما يسمى "صفقة القرن" أو أي مُسميات أخرى، هي مضيعة للوقت وسيكون مصيرها الفشل، إذا استمرت بتجاوز الشرعية الفلسطينية المتمسكة بالثوابت المتفق عليها عربياً ودولياً. وأضاف: "المطلوب من الإدارة الأمريكية التوقف عن محاولات تجاوز الشرعية الفلسطينية، وأن صنع السلام يتطلب الامتثال لقرارات الشرعية الدولية وفق حل الدولتين، لإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، لكي لا تخلد هذه الإدارة الصراع العربي – الإسرائيلي، وتعطي غطاءً لمواجهة بلا نهاية". كما أنَّ المنظمات والهيئات الفلسطينية من معارضة ومستقلة، نحت هذا المنحى، ورفضت مثل هذه الصفقات، التي يرون أن تريد تصفية القضية الفلسطينية، في ظل الانقسام العربي والفلسطيني.

فما هي التوقعات لملامح هذه الصفقة التي تروج لها الإدارة الأمريكية؟ الحقيقة أنَّ كل التكهنات تتوقع أنها امتداد لخطط إسرائيل في الإبقاء على دولة فلسطينية ناقصة، ومدن تحت الوصاية، وبدون مدينة القدس التي اعترفت بها إدارة ترامب لتكون عاصمة أبدية لإسرائيل، وبحسب بعض الأنباء نقلا عن صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فإنَّ الخطة تبدأ بـ "ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة لإسرائيل، وإعلان قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وإبقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل، إلى جانب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مع انسحابات تدريجية لإسرائيل من مناطق فلسطينية مُحتلة.

ويتمثل البند الثاني -حسب عريقات- في "اختراع إدارة الرئيس ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس خارج إطار ستة كيلومترات عن حدود عام 1967، على أن تقوم إدارة ترامب بعد ذلك بالإعلان عن "مفهوم أمني مُشترك لدولة إسرائيل ودولة فلسطين كشركاء في السلام".

ويشمل هذا المفهوم ـ وفق تصريح عريقات ـ أربع نقاط: "أن دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة شُرطية قوية"، و"إيجاد تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي، وبما يشمل مشاركة الأردن ومصر وواشنطن، وسيكون الباب مفتوحًا أمام دول أخرى، مع وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى لحماية الدولتين"، وأخيرًا "تُبقى إسرائيل على صلاحيات الأمن القصوى، بيدها لحالات الطوارئ". ويذكر عريقات أن "الخطة تنص على اعتراف دول العالم بدولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني". على أن تضمن إسرائيل حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع، مع الإبقاء على الوضع القائم بها حاليًا".

الحقيقة أنَّ هذه الخطة كسابقاتها لا تمثل جديدا للشعب الفلسطيني، بل هي مشاريع للحل ترى إسرائيل أنها مناسبة لأمنها في استحواذها لكل فلسطين، مع وجود فلسطيني ليس له سيطرة كاملة على أراضيه. قد يُقال إن هذا الحل هو متاح في ظل الظروف الفلسطينية والعربية، وقد تأتي ظروف مقبلة، تتعدل بموجبها هذا الخطط، لتكون مناسبة وعادلة للشعب الفلسطيني؟ لكن هذا القبول بهذه الصفقة، لن يكون هامشياً بين أطراف معينة، بل سيكون دولياً وموثقاً مع كل الأطراف، مع حضور المؤسسات الدولية، وساعتها الخروج عن هذا الحل سيبقى صعباً، الأمر الآن بيد الشعب الفلسطيني وقياداته لاتخاذ ما يرونه لقضيتهم، وعليهم أن يتخذوا قراراً موحداً فيما يخص قضيتهم، وقبل ذلك أن يتوحدوا وينبذوا الخلافات، التي هي السبب الأهم في تأخير حل هذه القضية، واستعادة حقهم السليب.