سوق الخضار والفواكه المركزي .. وماذا بعد؟!

 

 

 حمد بن سالم العلوي

دعت الضرورة في شهر رمضان، أن أزور هذا السوق الكبير أكثر من مرة، وأنا لم أدخله منذ سنوات طويلة مضت، ومفاجأة هذا السوق بالنسبة لي، هي اختفاء البائع العُماني، وإن كان ذلك متوقعاً، ففي هذه المرة فإنني لم أر عُمانياً فيه إلا متسوقاً، طبعاً هناك من يجد أنَّ بيع الخضار والفواكه عمل متدنٍ، ولا يتناسب ومقامات الشباب المتعلم الطموح، والمتطلع إلى أعمال قيادية وتطويرية تواكب التطور الفكري والثقافي والتنموي، لكن هل يا ترى المجتمع العُماني أصبح يُمثل طبقة واحدة فحسب، وما عدا هذه الطبقة ليس له وجود؟! لذلك تأفف بقية أفراد المجتمع عن العمل في أعمال التجارة، والصناعات الحرفية البسيطة الأخرى، وهي كانت وستظل ذات دخل محدود، ولكنه عمل مبارك لو خطط لنجاح العمل فيه.

لقد بلغت العدوى سوق مطرح العتيد، فقد أصبح هذا السوق مهجوراً من أهل البلد، وسُلّم بتاريخه وميراثه للوافدين، وهو وجهة مُفضلة للسياح والزوار، ولكن صار الوافد الآسيوي هو من يتسيّد سوق مطرح اليوم، ولا أحد يعرف كيف هجر العمانيون هذا السوق، الذي ظلوا يتوارثونه جيلا بعد جيل، وهناك أسواق كثيرة أخذ يهجرها أهلها الأوائل، إذن من باب أولى أن لا يكون للجيل الجديد فيها نصيب، وهذه الفجوة آخذة في الاتساع بمرور الزمن، خاصة في المدن الكبرى مع بعض الاستثناءات المحدودة.

فإذا ذهبت كذلك إلى مجالات أخرى، كورش إصلاح السيارات، أو ورش الحدادة والنجارة، أو ورش الصيانة بمختلف أنواعها، سيكون نادراً أن ترى فرداً عمانياً يعمل فيها، فيخيل إليك أن العقل العُماني دون هذه العقول التي تعمل في هذه المجالات المتنوعة، هذا إذا لم نستسغ أن يعمل العُمانيون في مجالات البناء والتعمير، إلا بصفة مقاول أي رب العمل، وربما كان مجرد واجهة في معظم الحالات، أما إذا نزلت ساحات التواصل الاجتماعي، فستجد تهم التقصير تُكال للحكومة دون ورع، وهي ليست بعيدة عن هذا الذي يقال، ولكن أين دور المُجتمع؟ وهل كل الحكومات في العالم توفر كل فرص العمل للشعوب؟ فإذا لم تحل دول الخليج الغنية مشكلة العمل والتشغيل، وهي فاحشة الثراء والإمكانيات، فإنَّ بلدان الدخل المتواضع مقارنة معهم، لن تستطيع فعل الكثير.

ولكن إذا ذهبت إلى ولاية نزوى مثلاً، لوجدت الكثير من الوجوه العُمانية في السوق، تمارس كل أنواع التجارة والصناعة، وهذا تعمين لم تفرضه الحكومة، وإنما فرضته الرغبة الأصيلة في توارث العمل، إذن رغم ما أخذته الحياة الحديثة من نصيب من أبناء المجتمع، فقد ظل هناك من لديه الرغبة في العمل، وممارسة التجارة كمهنة موروثة، فحتى من يرتق النعلات تجد له حيزا ومكاناً، لذلك تشجع آخرون على العمل، والمشاركة فيه بالتقليد فنجحوا، فلا ريب أن هناك دوافع مباشرة، وأخرى غير مباشرة قد جعلت الناس يتلمسون طرق سليمة، وهي طبيعية في ممارسة العمل الحر، بذلك لم تستنزف ثروات الولاية إلى خارجها، بل مثلت محور جذب للاستثمار، واستقطاب المحيط القريب للتبادل التجاري، فظل رأس المال يتطور ويدور في محيط متجدد، ولكنه وإن خرج بعضه إلى محيط الولاية وجوارها، إلا أنه لم يخرج خارج الحدود كما هو حال الأسواق الأخرى، وحتماً سيعود بصيغ أخرى.

إذن نحن نقف أمام تجربتين متناقضتين، أولاهما فاشلة ومستمرة في فشلها، وأخرى ناجحة ومستمرة في نجاحها، والحكومة واقعة تحت ضغط طلب الناس للتشغيل، وليس لديها همة أو اهتمام بالعمل المؤسسي، إلا بالقول أما بالفعل فلا، فليس هناك من حلول منطقية تعالج مشكلات العمل على أسس علمية شفافة، وكل عمليات السلق السريع، تعمل بمفعول المهدئ قصير الأمد، فقرارات التوظيف والإجبار عليه، قرارات منفرة للشركات، ومضيقة على المؤسسات الحكومية، وسيظل الحال كذلك، فلو وظف عشرات الآلاف، فبعد فترة يتسرب بعضهم .. وهكذا دواليك، لأن الحلول كانت سريعة ووقتية.

كم كنت أتمنى أن يُشرك المواطن في وضع الحلول، وأن تنشأ مراكز دراسات تدرس هذه الحالات والظواهر، فعلى سبيل المثال، لدينا ظاهرة سوق الخضار والفواكه، وسوق مطرح كحالة سلبية، لأننا كمواطنين لا نستفيد من هذين السوقين إلا ما نشتريه بأموالنا، وهذا تحول خطير مع مرور الوقت، وفي المقابل لدينا سوق نزوى أو سوق الرستاق، تجدهما أسواق نامية ومتطورة، ويديرها مواطنون عمانيون، وذلك رغم المنافسة الشرسة للوافدين وتكتلاتهم لعنصرهم، فهل يا ترى أثار انتباهنا هاتان المقارنتان؟ فحاولنا بأسلوب علمي وتقصي معرفي، أن نتبين ما وراء فشل التجربة في مسقط، وسر نجاحها في نزوى؟!.

ولكن حذاري أن تكونوا انفعاليين في قراراتكم، وتعملوا دون تخطيط محكم، وإلا فالأخطاء ستكون قاصمة للظهر، وستعود أعنف من ذي قبل، وقد سبق وأن شاهدنا كيف تم تعمين سوق الخضار في الخوير، فأصبح اليوم ساحة لوقوف السيارات، أو تجربة دوام الظهيرة المقلد للآخرين، وتجارب أخرى لا داع لذكرها كلها، ولكنها كانت فاشلة بامتياز، لأنها قرارات أفراد، وليست خُططا علمية مدروسة، وعليكم أن تعلموا إن الوافدين الذين ننظر إلهم كأناس بسطاء، لديهم من يخطط لهم للبقاء مُهيمنين على سوق العمل أطول فترة ممكنة.

فهل يا ترى سنظل ننتظر من الحكومة؟ أن تطرح لنا الحلول الضيقة المجربة؟ أم سنضع أيدينا كمواطنين في يد الحكومة ومساعدتها ودعمها، وطبعاً الحكومة كراعية للتخطيط والتنفيذ، وهي المالكة للوسائل والتشريعات، فيجب عليها هي أن تكون المبادرة بمد اليد للمجتمع، وبذلك سنفتح أفقاً جديدا للعمل الوطني، يدعم الأمن الوطني والصناعي والغذائي، ورفع مستوى المعيشة للفرد، ويرفع الكلفة من انتظار ارتفاع سعر النفط والغاز، أم سنظل ننتظر من يعدُّ لنا اللقمة ويزربها في أفواهنا سهلة سائغة، ويظل بيد هذا الآخر، أن يوقفها ويمنعها عنِّا متى يشاء، إذن قليل من الإخلاص والتفاني في حب عُمان، والاحترام لسلطانها المعظم - حفظه الله وأبقاه - سنغير الحياة وسنخرج عن المألوف المتكرر الممل، وسنفتح باباً للإبداع والرقي بالوطن.