مؤسسات في التعليم العالي "تحت الملاحظة": هل سيلتحق الطلاب بها؟

د. سيف المعمري

أخيراً.. وبعد عشرات الملاحظات والنداءات، تُوضع بعض مؤسسات التعليم العالي "تحت الملاحظة"؛ لعدم استيفائها معايير الاعتماد الأكاديمي للمعايير المؤسسية التي تقوم بالتدقيق عليها الهيئة العُمانية للاعتماد الأكاديمي، وهي العملية التي تأخرت كثيرا مقارنة بعُمر مؤسسات التعليم العالي، وآلاف الخريجين الذين قامت بتخريجهم لسوق العمل، وأبدَى كثيرٌ من مسؤولي الحكومة ورجال الأعمال ملاحظات كثيرة حول مستوياتهم، إلا أنَّ ذلك لم يكن كافيًا لتحريك الجهات المسؤولة بالدولة أو عن التعليم لتحريك عملية ضبط سوق التعليم من المؤسسات غير القادرة على العمل فيه، ووفق المعايير التي تتناسب مع واقع سلطنة عُمان، الدولة التي تشهد نموًّا في أعداد مواردها البشرية، وتحتاج تأهيلهم وفق برامج أكاديمية صارمة: ما الذي حدث وقاد لتحرك من قبل الهيئة العُمانية للاعتماد الأكاديمي نحو مؤسسات التعليم التي يقودها بعض أعضاء الهيئة؟ وما معنى أن توضع مؤسسة تعمل في البلد منذ ما يزيد على 16 عاما تحت الملاحظة؟ هل يعني ذلك احتمالية غلقها إن لم تستوفِ المعايير المحددة؟ وما هي هذه المعايير التي يتم تقييم مؤسسات التعليم بناءً عليها؟

قبل مُحاولة استقراء إجابات لتلك الأسئلة، لابد من الإشارة إلى أن نظام الاعتماد المؤسسي في السلطنة يتكوَّن من مرحلتيْن؛ الأولى: تدقيق الجودة المؤسسية، والثانية: التقويم مقابل المعايير المؤسسية، وفق عمل الهيئة، فالمؤسسات التي حصلت على الاعتماد هي كلية كالدونيا الهندسية وكلية مجان الجامعية؛ في حين حصلت مؤسسات على اعتماد مشروط؛ وهي: جامعة ظفار والكلية الحديثة للتجارة والعلوم والكلية العلمية للتصميم. أما المؤسسات التي وُضعت تحت الملاحظة، فهي: كلية مزون، وكلية الخليج، وكلية الزهراء، وكلية صور الجامعية.

إنَّ ما يلفت الانتباه -وفقا لموقع الهيئة العمانية للاعتماد- أن كلية الزهراء وكلية الخليج لم تستوفِ ستة معايير من أصل تسعة معايير للتقييم، واحد منها لا ينطبق عليها؛ وهي معايير الحوكمة والإدارة، وتعلم الطلاب بطريقة البرامج التي تعتمد المقررات الدراسية، وبحوث الموظفين وخدماتهم الاستشارية، والمشاركة مع القطاع الصناعي والمجتمع المحلي، والطلاب وخدمات دعم الطلاب، والموظفون وخدمات دعم الموظفين. أما كلية مزون، فلم تنجح في تحقيق سبعة معايير من أصل تسعة معايير رئيسية؛ أي أنها حققت معيارًا واحدًا فقط؛ وهو: معيار الطلاب وخدمات ودعم الطلاب؛ لأنه لا ينطبق عليها معيار تعلم الطلاب بطريقة البرامج التي تعتمد المقررات البحثية. أما كلية صور الجامعية، فلم تستوفِ ستة معايير من أصل تسعة؛ أي أنها استوفت معايير الدعم الأكاديمي، وخدمات الدعم والمرافق العامة.

أما المؤسسات التي مُنحت اعتمادا مشروطا؛ فكانت نقاط ضعفها في أهم معيار؛ وهو: معيار تعلم الطلاب بطريقة البرامج التي تعتمد المقررات الدراسية؛ حيث يضم المعيار 11 معيارا فرعيا؛ هي: السمات العامة للخريجين ومخرجات تعلم الطلاب والمناهج ومعايير قبول الطلاب، وجودة التدريس، والمكونات البحثية في البرامج التي تعتمد المقررات الدراسية، والأمانة العلمية، وتدريب الطلاب في مواقع العمل، وطرائق التقويم ومعاييره وتدقيقه، والسرية الأكاديمية ومراقبة الامتحانات واستيفاء الطلاب وتقدمهم الدراسي، وجهات الخريجين وقابلتهم للتوظيف؛ حيث حصلت جامعة ظفار في جميع هذه المعايير على تقدير 2 من 3، ما عدا في معايير المناهج ومعايير قبول الطلاب والأمانة العلمية فحصلت على 1، وحصلت الكلية العلمية للتصميم في جميع المعايير الفرعية لهذا المعيار على 2، ما عدا في معيار السمات العامة للخريجين ومخرجات تعلم الطلاب فحصلت 1، وحصلت في الأمانة العلمية على 0، وحصلت الكلية الحديثة للتجارة والعلوم في جميع المعايير على 2، ما عدا المناهج حيث حصلت على 3، والأمانة العلمية حصلت على 0.

إذن؛ هذه النتائج التي جاءت متأخرة كثيرا جدا، تضعنا أمام إشكالية كبيرة؛ وهي علاقة التعليم العالي بالجودة ومتطلبات السوق والعالم المتغير، هل تطلَّب الأمر عقديْن من الزمان لكي نلتفت إلى أخطر القطاعات التي تشكل مستقبلنا؟ لا أعرف حقيقة كيف عملت هذه المؤسسات الموضوعة تحت الملاحظة، وتلك التي منحت اعتمادا مشروطا خلال السنوات الماضية، ولا أعرف أي نوعية من الخريجين قدمت لنا؟ ولماذا تهاونت الجهات المعنية وأسهمت في صناعة هذا الواقع، أن يتحول قطاع التعليم العالي معنا إلى سوق غير منضبط، يهدر الاستثمار الذي توجهه الدولة للارتقاء بمواردها البشرية. الآن، السؤال وهذه العلمية لا تزال في بدايتها ويكتنفها كثير من الأسئلة: هل كان خيار "تحت الملاحظة" ضمن خيارات الحُكم على المؤسسات، أم أنه استُحدث لاحقا؛ لأنَّ اللجان تفاجأت، ولم تتوقع أن مؤسسات تعمل منذ ما يزيد على عقديْن لا تعمل وفق أدنى المعايير المطلوبة، والتي تلزم بها عادة مدارس خاصة صغيرة لا توجه لها هذه الأعداد من البعثات، ولا تستوعب هذا العدد الكبير من الطلاب؟

لا أستطيع الجزم بإجابة عن هذا السؤال، والسؤال الذي يجب أن نهتم به الآن هو: هل يجوز قبول الطلاب خلال العامين الممنوحين لهذه المؤسسات للخروج من "الملاحظة"؟ أي العامين الجامعيين (2018-2020)؟ وأي مستوى يمكن أن يحصل عليه الطلاب في الالتحاق بأربع كليات لم تستوفِ 80% من معايير التقويم؟ وهل سيستمر تدفق الطلاب للمؤسسات التي لديها اعتماد مشروط كالمعتاد، وأضعف معيار لديها هو المناهج والمقررات الدراسية؟  أتصوَّر أن الحكمة تتطلَّب اتخاذ إجراءات من قبل الجهة المعنية في إشعار هذه المؤسسات أن العملية جدية، وأن التدفق للبعثات لن يستمر، ولابد من بعض المحاسبة على المساهمة في تدني مستوى خريجينا، وأيضا المساهمة في هدر الاستثمار في المورد البشري؛ فالذي يحمل وِزْر هذه المسألة ليس هذه المؤسسات، ولكن الجهة التي تشرف عليها، وتمنحها الجزء الذي تشاؤه من "البعثات الداخلية".

... إنَّ العملية التي تقوم بها الهيئة العُمانية للاعتماد الأكاديمي من أخطر العمليات في تاريخ التعليم في عُمان، ونتائجها تعدُّ المحرك الرئيسي لتحقيق جودة للتعليم تضاهي جودته في أعرق الدول، ولكن كل ذلك يتوقف على عشرات العوامل المتداخلة والمعقدة جدا، وأيضا على أهداف هذه العملية، والتي أشار إليها أحد أعضاء الهيئة في محاضرة موثقة على موقع الهيئة أنها لا تهدف للحكم على إخفاق أو نجاح مؤسسات تعليمية فتية. إذن، إلى ماذا تهدف هذه العملية؟ هل تهدف لشرعنة ضعف بعض هذه المؤسسات لكي تستمر في العمل بغطاء رسمي؟ لا أعرف، ربما هو استنتاج  في غير محله نتيجة غموض هذه العبارة، وأن الهدف هو بالفعل المحاسبة الصارمة؛ لأنَّ هذا قطاع حيوي لا يجب أن يعمل فيه إلا من يلتزم بمعايير صارمة، سواء كانت مؤسسة فتية أو هَرِمة، وسواء كانت مؤسسة حكومية أو خاصة، وسواء كانت مؤسسة يملكها كبار المسؤولين أو  صغارهم.. فالتعليم أيها السادة يجب أن يكون منطقة محظورة من أن يتحكم بها منطق السوق والربح والمجاملة.