في يَوْم القدس العالمي

عبدالله العجمي

ما زلنا نحاول الوقوف على محطات شهر رمضان، ونستذكر بعض أحداثه الخالدة، إذ تضمَّن حدثيْن من أهم الأحداث التي مرَّت على الأمة: غزوة بدر، وفتح مكة. وكأنما يدلنا هذان الحدثان على مدى التلازم بين الجهاديْن الأكبر والأصغر: جهاد النفس والجهاد في سبيل الله.

ولو تمعَّنا في مُجمل السيرة النبوية الشريفة وحركتها منذ خروج النبي -صلى الله عليه وآله- من مكة المكرمة وعودته لها فاتحاً، نراه لم يستسلم لمنطق الهزيمة والتخاذل، بل عمل بكل جهد محاولاً أن يُعيد الاعتبار لمنهج الحق، وبما أن الله قد وعده بفتح مكة؛ فقد عاش المسلمون خلال تلك الفترة وهم موقنون بالنصر وموعودون بالفتح، وقد أنجزوا الكثير ما بين وعدهم بالفتح وبين فتحهم مكة المكرمة.

فكما كان انطلاق الإسلام إلى الآفاق بدأ من المدينة المنورة، فبالمقابل كانت مكة المكرمة قلباً ينبض بالحقّ المغتصب، لكي لا ينسى المسلمون أنه يجب عليهم استعادته، وبغضِّ النظر عن المكانة الدينية لمكة، فإنه قد تم إخراج المسلمين منها بغير وجه حق؛ لذا أصبحت قضية عودتهم إليها قضية استعادة لذلك الحق، وكم تتشابه قضية القدس وفلسطين المحتلة في بعض التفاصيل والتداعيات مع قضية مكة، وما اختيار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان لإحياء يوم القدس العالمي، إلا لارتباط ذلك بفتح مكة في ذات التوقيت من هذا الشهر الكريم.

احتلَّ الكيان الصهيوني قلوب وعقول بعض العرب والمسلمين أكثر مما احتلّه من فلسطين المحتلة، فأضحى يعيش هذا الكيان في وهمٍ أنه قوّة لا تُقهر، وأنه باطل لا يُغلب، لكنهم ما برِحوا أن صُدِموا -مؤخراً- بخطأ وهمهم هذا، فعلِموا أن القوّة ليست في سلاحٍ أو عتادٍ أو كفاءة عالية، بل فيمن يحمل ذلك السلاح، وفي الأنفس التي تقف خلفه، وهذا ما كشفته حرب 2006 على لبنان وانتصار المقاومة على هذا الكيان بعتاد لا يضاهي ترسانتهم العسكرية الضخمة، وهذا ما توضحه الملاحم التي يسطرها أهل غزة اليوم، وهذا ما خلّفه لنا المسلمون خلال معركة بدر، إنه الحقّ والإيمان الذي رفع من كفاءة تلك الفئة القليلة التي كانت مستضعفة في معركة بدر، حتى مرغت كبرياء قريش، ولطّخت وجوه ساداتهم من المشركين بوحل الهزيمة.. وإذا ما نظرنا إلى جوهر قضية القدس وفلسطين المحتلة، سنجدها قضية حقّ مغتصب لا يمكن المساومة عليه.

ها هو شهر الخير يغادرنا، فإن لم نخرج منه بشيء فلنخرج على الأقل بذلك الجانب من التقوى الذي ربّانا عليه الصوم، بأن نصطفَّ مع أصحاب الحق ضد الباطل، ومع العدالة ضد الظلم، بأن نعيش آلام من سُلِبت أرضه، وغُصص من سُفِك دمه، وغربة من شُرّد عن وطنه، والعالم على مرآى ومسمع من ذلك كله.

ولنعتبر بأن الدّعوة لكي تكون آخر جمعة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس، هي دعوة لشحذ الهمم، ونصرة المظلوم ومطالبة بالحق المسلوب، لأن الباطل مهما علا واستطال فلا جذور تثبّته في الأرض، ولنوقن أنه في مجالس المتّقين، لا يوجد مكان لكل يائس أو محبط أو قاعد، بل للعامل المجاهد بنفسه وماله وكلمته.

ولنعمل جميعا على تحقيق وعد الله بأن نمهّد لعباده أولي البأس الشديد من سيجوسون خلال الديار ويعيدون الحق إلى أهله.