انتعاش الثقافات المهاجرة في السويد

د. يحيى أبو زكريا

 

◄ معظم البلديات في السويد تخصص 70 من المائة من ميزانيتها لدعم قضايا التعليم والتربية والمؤسسات التعليمية

 

 

◄ في كل مكتبة خدمات إنترنت مجانية.. وما على الراغب في التواصل مع العالم والقيام برحلة في كواكب المعلومات سوى أن يحجز مكانا

 

 

 

تُولي الحكومة السويدية اهتمامًا كبيرًا ومميزًا بالثقافة، وتخصص للشأن الثقافي مبالغ طائلة تقدر بملايين الكرونات؛ أي ما يعادل عشرات ملايين الدولارات، وتعتبر الميزانية المخصصة للثقافة في السويد من أعلى الميزانيات مقارنة بالدول الغربية الأخرى، ولا مجال ها هُنا للمقارنة لما يُخصَّص للثقافة في العالم العربي. وبقرارٍ من الحكومة والبرلمان في السويد، تحصل هيئة الدولة لدعم الثقافة على مبالغ طائلة، تُوزَّع كلها على المؤسسات الثقافية والفكرية والعلمية والأدبية والمسارح ودور النشر ومؤسسات من قبيل اتحاد كتاب السويد، والمعهد السويدي للدراسات، والمعهد السينمائي، وما إلى ذلك من مؤسسات.

وحتى الثقافات المهاجرة كالثقافة العربية والفارسية والإفريقية بكل ألوانها، والآسيوية بكل أشكالها، تحصل على دعم هيئة الثقافة. كما أنَّ الجمعيات الثقافية التابعة للجاليات المهاجرة تتلقَّى دعمًا ماليًّا من مؤسسات دعم الثقافة، وهذا الدعم الحكومي الكبير لشؤون الثقافة جعل الثقافة في السويد فعالة ومنتجة في آن واحد؛ فلا يُمكن أن يبقى أي مسرح سويدي في أي محافظة خاليا من النشاط المسرحي، كما أن مؤسسات الثقافة في حركية دائمة بحكم وجود الدعم الحكومي، وبحكم وجود شرائح واسعة من الجمهور السويدي المحب للثقافة، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة الأمية في السويد منعدمة.

وعلى صعيد آخر، فإنَّ معظم البلديات في السويد تخصص 70 من المائة من ميزانيتها لدعم قضايا التعليم والتربية، والمؤسسات التعليمية، كما أن التعليم متاح لكل الناس ومن مختلف الأعمار، والتعليم في السويد إجباري إلى أن يبلغ التلميذ السن السادسة عشرة، وعندها يختار الطالب بين إكمال الدراسة أو الدراسات المهنية والعملية ليختار مهنة يرغب فيها.

ومن جميل العادات في السويد أنَّ الطفل، وبمجرد أن يولد تقوم الجهات الصحية المعنية برعاية الطفل ومتابعة نموه إلى مرحلة متقدمة من العمر، بإهدائه كتابا ليكون أول هدية يتلقاها المولود في حياته.

يُضاف إلى هذا، أنَّ المكتبات العامة والتي توفر كتبا لكافة القراء، وبكل لغات العالم، موجودة في كل المناطق، ولا تخلو أي منطقة ومحافظة من مكتبة كبيرة تحتوي على كل أصناف الكتب وفي مختلف المجالات، كما يوجد أجنحة لكتب صادرة باللغات الأخرى غير السويدية للمهاجرين من مختلف الأمصار، فعندما تتوجه للجناح العربي -على سبيل المثال- فإنك تصادف كُتب طه حسين، حنا مينا، المنفلوطي، إحسان عبدالقدوس، أدونيس، طاهر وطار، يوسف إدريس ونجيب محفوظ، أمين معلوف...وغيرهم. كما أنه بوسع القارئ العربي في السويد أن يطالع كبريات الصحف العربية الصادرة في عواصم غربية وعربية، ونفس الأمر بالنسبة للقارئ الفارسي والهندي...وغيرهما.

وفي كلِّ مكتبة خدمات إنترنت مجانية، وما على الراغب في التواصل مع العالم والقيام برحلة في كواكب المعلومات، إلا أن يحجز مكانا، وبعدها ينطلق مجانا في رحلة المعلومات.

وهذه المكتبات العامة تُعِير لمن يرغب كُتبا ومجلات مجانا أيضًا وبدون مقابل، وكل ذلك تكريسا للثقافة، ومن باب تحويل الثقافة إلى واقع جماهيري، وهو ما كان يحلم به بعض كُتابنا العرب من أمثال توفيق الحكيم.

وللأجانب إسهام قد يراه البعض متواضعا في الحياة الثقافية السويدية؛ حيث بات العديد من المهاجرين يكتبون باللغة السويدية، وعرف أدب هؤلاء بالإقبال الشديد من قبل القراء السويديين ومن قبل المؤسسات الاعلامية كالإذاعة والتليفزيون، ولعل الكاتب اليوناني تيودور كليفاتديس، هو أحد الذين حازوا شهرة واسعة في السويد، وهو كثيرا ما يكتب عن الهجرة والغربة والاندماج في الآخر.

والمجالات برُمتها مفتوحة لمن أراد أن يُدلي بدلوه من الأجانب والمهاجرين في الشأن الثقافي وحتى السياسي، غاية ما هناك هو غياب الفعالية لدى بعض المثقفين المهاجرين والعرب تحديدا الذين ربطوا إبداعهم بزمن المحنة، وسط الديكتاتوريات التي عاشوا في خضمها، والآن وقد أتيح لهم الأمان والطمأنينة فلا بأس في نظرهم بالتقاعد، مُتناسين أن الهم الثقافي والإبداع الفكري هو حالة تلازم المبدع إلى اللحد.

ويعد الشعب السويدي من أكثر الشعوب عشقا للقراءة والمطالعة، وشعاره الحياة تعني المطالعة والعمل والعكس صحيح، وهذا يفسر إلى حدٍّ ما لماذا تقدموا ولماذا توقفنا وخرجنا بأيدينا من كل الخرائط!