إلى أشرف فياض..وأنا تحت مقصلة أغني



محمد حــربي – شاعر وإعلامي مصري


***
* أكتب لأنجو من المنتصف
قالت شجرة على محطة القطار ترفض السفر
أو العبور وهي تبري ظلها بماء الندى

*أرسم شمسا على جدار ليصحو من نعاسه
ويكمل السعال في الطريق
فنبدأ يومنا على مقهى مجاور مع عابرين

قالت لي جميزة عجوز بلا ثديين:*
أراك تكتب الآن على مفاتيح الحاسوب
رُدّ لي فروعي التي أورقت في غبارك القديم
سقطت "تينة" من ذاكرة العواء بلا بذور
****
قال لي جدار في المدينة:
***
من علم الجبل الوقوف على قدم واحدة
ليحفظ سر الماء تحت إبطيه
قلت هل أسكرك السعال؟
فقال وهو يغلق عينيه:
أغنية طائر ذبيح مرَّ في حلم البارحة
وفرَّ ظامئا
مسح الشمس التي أثقلت كاهلة
ثم قال: بُحْ بما خرجنا من أجله
قلت:
لن تستطيع معي شعرا
قال: جرِّبني
فقلت:
وحده البوص ينام في حضن ترعة
ربما يتعلم الموج أبجدية الغناء
إن تعرت بوصة على سطح الماء
قال: لا تزال في ضلالك القديم
أعدت الشمس إلى كتفيه والهبته
بشمس إضافية في الظهيرة وتركته ثم عبرت الطريق
وصرخت:
وحده البوص يعرف الوفاء ويرضى بالمقام
ولم يعد أحد يغني في رحلة السفر فوق قطار صديء
بالنفخ في هواء الثقوب المنمنمة  صفير القطارات أقرب للنواح
وحده البوص يبقى بلا سفر أو فحيح
فلا يعرف الموت إلا قصفا بفأس خانت أمها
***
اتكأ رفيقي على جذع شجرة عابرة
كانت تستريح من غبار ما وتغسل الفروع في فضائها
***
آتنا غداءنا   
**
مسح شمسين وثبت قمرا ولونه
ثم قال: أكملْ فقد أدمنت نواحك
*****
قلت: آتنا حبرنا وانصرف فما حاجتي لرفيق لحوح
قال: إنك لن تسطيع من دوني عبورا
رسمت على ذراعه وشما أخضر
قلت وأنا أكويه بنار محبرة كانت تطلع من أناملي بدم كثيف:
صارت مهنتي رتق الشواطىء بالطين
وطلاء جدار عجوز في ركبتيه
ليكمل المسير إلى مالا يريد
هل يقضي النهر وطره في الملح
ثم يموت؟
مرة تأخرت في الصعود للحافلة
فنفق نهر وبحر على جديلة ملح لم يكملا العناق
والرمل مشنقة تطول
وأنا هناك أحصي خيبات الحصى بإيقاع منتظم
وأدون ما لا أرى
امتلأ ذراع الجدار من نقوشي فانتحيت جانبا
وتركته للعراء وشماتة العابرين
قال: إن سألتك عن شيء؟
فكتبت:
خرجنا من الطين نارين ترقصان
ولم يعد ثلاثتنا إلى الطمي المهاجر بعد.
***
المبشرون بالمنفى
***
وكتبت:
حملت مرة ترعة حبلى على ظهري لأسقي المدائن والمنافي
غادرتني إلى مقهى تدخن أرجيلة عذراء
وتخلع جلبابها الريفي على وقع الفراغ
وتصك وجهها: عجوز عقيم
تحسسست بطنها وأفرغت الخواء بفخامة تليق بالجسور في
فضاء فسيح يشبه "خارطة من دماء"**
خرجت ثعابين الماء
وأفراس نهر لم تبلغ الحلم بعد
وتماسيح ضلت طريقها لم تبلغ الفطام
موتى لم يخلعوا أردية الفراق
وأشجار عواقر وذنوب وأطفال من العشق الحرام
كان الجدار الساعل يحصي ما يخرج من أحشائها
ويلم أشكالا تسقط من المحبرة فيضمها إلى حقيبة على كتفه
ويعلن الحرب طواعية على الغبار والدخان
والنفير حوله يشتكي الظمأ
حملت ترعتي العاقر
وبحثت عن حافلة تعود بي إلى محطة القطار
فلم أجد هناك أحدا من "المبشرين بالمنفى "**

***
ختامها كهف ومقصلة
****
كان ثمة جلباب في الحلم من البارحة
لم تغسله الملائكة الموكولة بإحصاء الذاكرة
أعدته من جبل طويل يشبه مشنقة
ونفخت فيه من خوائي فارتد بصيرا
ورسم على كتف جداري طفلا يصعد سطح قطار ويعلن السفر
والقطار يفح صفيرا متقطعا كأرواح معذبة
- حبسها جِنيٌّ في قارورة -
ولا يخطو فوق النار خطوة واحدة
وترعة صغيرة فوق كتفي
تلقي أسماكها لمتسولين صغارا يلعنونني
والقطار يسيء التأويل دائما فوق الجسور
***
قلت لترعتي: هناك مقهى صغير على البحر
يطهو الملح نيئا
ويصنع شايا من صراخ موجتين
فلمت ضفيرة مبعثرة وناحت بأغنية خضراء
وأشعلت ركوة في السماء وخلعت جلبابها غير بعيد
ولعنت ممالك الفوضى والغبار ولم تعد معي
***
كل هذا ولم تظهر المجدلية منذ الأمس
ولا على الكافور حطت صلبان تطير ولا الورق الأصفر يسقط
في خريف ترعة غابت عن صفِّها المدرسي.

****
وحده الصدى يئن من رجرجات القطار المقابل
جلباب صغير يطير وحده بمحاذاة القطار
يلم ما يسقط من طيور السماء
والنوافذ مفتوحة لغبار الحقول
ودخان يعلو
يطارد جلبابا آخر حتى سقف مقهى بعيد
والقيود تقطع لحم جدار عجوز يمضي بكتابي إليكم
وأنا تحت مقصلة أغني
فتردد الصدى شجرة على محطة القطار
تنتظر "التعليمات بالداخل "**

*****
*من مجموعة "شرفة الغواية" قيد الطبع
** من أعمال اشرف فياض

 

تعليق عبر الفيس بوك