عُمان في مواجهة "مِكونو"

د. محمد الشعشعي

لم يكن إعصار "مِكونو" سهلًا، والحالة المدارية التي مرت على ظفار والوسطى -نهاية الأسبوع الماضي- كانت بها من الأحداث التي لا تنسى.. منخفض إعصاري لم يجعل في الأرض يابسة، ولم يَهْدأ لعُمان حالٌ في أيام الإعصار، واشتغلت عليه كافه الأصعدة الرسمية والشعبية والأهلية والخاصة في أيام لا تُنسى مرَّت بها ظفار.

سرعة الرياح فاقت 180 كم في الساعة، وكمية المياه تعدت 500 ملليمتر، لتسجِّل أعلى معدل منسوب مياه في العالم.

اشتغلتْ عُمان بدءا من تأكيدات الأرصاد الجوية بوجود منخفض مداري على ظفار والوسطى، فكانت عُمان كقلب رجل واحد، اللجنة الوطنية للدفاع المدني كانت اجتماعاتها في العاصمة مسقط متوالية، وعلى مدار الساعة، تضع الخطط الاحترازية والتوعوية والإرشادية لتخفيف آثار الإعصار إلى أقصى درجاته، وتوزع المهام واللجان والفرق على كل منطقة أو ولاية متوقع أن يعصف بها الإعصار.

قُدرة الله فوق كل اعتبار، لكنَّ المتتبِّع للأحداث التي وقعت بظفار، يجد أن التوقعات كانت دقيقة، وأن الاحتمالات كانتْ صائبة، وأن الوقاية والتحصين ضد آثار "مِكونو" توقفا إلى حدٍّ كبير؛ فالمناطق الساحلية والمنخفضة التي تم إجلاء السكان منها، أنقذت أرواحا كان لها أن تهلك من هول الفيضانات لو بقيت في مكانها، والرسائل التوعوية التي بثتها وسائل الإعلام الرسمية والخاصة قبل وأثناء وبعد الإعصار كانت صادقة ومخلصة، وقلَّلت من الخسائر البشرية والمادية؛ فلها منا التحية والتبجيل على حُسن العمل وصدق البيان والشعور بالمسؤولية وهول الأزمة.

أمَّا الوحدات العسكرية بكافة قطاعاتها، والمدنية والأهلية بكل شرائحها، التي عملتْ ليلا ونهارا في سبيل إنقاذ الروح وإيصال الخدمة ومعالجة المريض وتوفير المأوى والإعاشة والأمان للمواطن؛ فعملها مشهود داخل عُمان وخارجها، تنظيم رائع وعمل دقيق، فرق إنقاذ موزعة، وأماكن إيواء متفرقة، وأساطيل ورتول خُصِّصت في كل ولاية لخدمة المواطنين، وهذا التنظيم يسرى أيضا على الوحدات الخدماتية العامة والخاصة، التي تعمل وفق نفس التنظيم وتدار كل هذه العمليات من مركز رئيس اللجنة الوطنية للدفاع المدني، ومن اللجان والمجموعات التي تعمل في إطار اللجنة الفرعية للدفاع المدني بمحافظة ظفار، ولا ننسى دور غرفة التجارة والصناعة بمحافظة ظفار، والتجار ورجال الأعمال، واجتماعاتهم وتبرعاتهم المتواصلة.

ما نودُّ ذكره أيضا هنا أنَّ الكل تعَاطَف مع عُمان من عرب وعجم، فابتهلت مساجد الخليج بالدعاء بأن يحفظ عُمان من كل مكروه، وتعاطف العرب مع الحالة المدارية التي تَعيشها عُمان، كما أنَّهم استمتعوا بصمودها وتنظيمها في معالجة الأزمة، واندهش الغرب من نجاح السلطنة في التصدي لهذا الإعصار المداري.

أيام كلاف، كلفتنا الكثير، لكننا بعد هذا التكليف نجحنا، وتخطينا الصعاب بامتياز، وانتقلنا الآن لمرحلة البناء وإعادة ظفار إلى صُورتها المشرقة، الباهية بلباسها، الزاهية برجالها، المستبشرة بضيوفها استبشارا لم يسبق له مثيل؛ فعلى الرَّحب والسعة زوار خريف ظفار؛ فظفار المجد كما عهدتموها في أبهى حللها، متربعة على فراش الخريف الأخضر.