الشباب وصناعة المستقبل

حاتم الطائي

يظلُّ الاهتمامُ السامي بفئة الشباب هو المكوِّن الأبرز في مُتتالية النماء العُماني؛ مشفوعًا بتوجيهاتٍ ومُباركات سامية من لدن جلالة عاهل البلاد المفدَّى -حفظه الله- للعديد من البرامج الوطنية والمُبادرات المجتمعية المستهدِفة والموجَّهة لهذه الفئة، ترجمةً لرعايةٍ أشمل تركِّز على فكرتيْ "التطوير والتمكين"، كحاجةٍ تعتملُ داخل صدور هذه الأجيال الصاعدة، ومعرفة سبل التعامل معها واستثمارها، وتوجيه طاقاتها نحو مزيد من الإفادات الوطنية.. وهو حديثٌ يستدعي إشادةً مُستحقة بمباركةِ جلالته -أيَّده الله- قبل أيام، لتدشين "البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب"، والذي يستهدف تأهيل ثلاثة آلاف شاب وشابة من مختلف محافظات السلطنة، على أخلاقيات ومهارات ومعارف الثورة الصناعية الرابعة والتقنيات المتقدمة؛ في استكمالٍ لجُملة بَرَامج وطنية واعدة أطلقها ديوان البلاط السلطاني طوال السنوات الأخيرة.

فالبرنامج على ما يُمثله من قرائن على البُعد الاستشرافي لمُتطلبات المستقبل، يعكسُ كذلك إرادةً ساميةً بتمكين وتأهيل الشباب العُماني، لإيجاد جيل مُتسلح بالمهارات الكافية كما يتسلح بمسؤوليته الوطنية الغالية، جيل قادر على ترك بصمته والاعتماد على ذاته؛ بخبرةٍ ووعيٍ وإدراكٍ وحرصٍ على العمل؛ كقيمةٍ مسؤولة، يتوجُّب أداؤها بمسؤولية مُكافِئة، ووفق أساليب ووسائل توجِّههم نحو الإيجابية، كفاعلين مؤثرين؛ خصوصاً ونحن نتحدث عن واقع جديد مليء بالفرص والتحديات، ثورة صناعية تهيئ المجال أمام ظهور قطاعات جديدة بالكامل؛ الأمر الذي يعكسُ -كما ذكرت- الفكر الاستباقي لتطوير المنظومة ككل؛ وإحداث موازنة دقيقة على جسر العبور بين مرحلتيْن اقتصاديتيْن شديدتيْ التباين: الاقتصاد النفطي، والاقتصاد القائم على التقنية وتكنولوجيا المعلومات.

... إنَّ البرنامجَ الوطنيَّ لتنمية مهارات الشباب، يضع مسؤولية رعاية الأجيال الصاعدة وتعهُّدَهم بالعناية، في قالب المسؤولية التضامنية، التي لا تتحمَّلها الجهات الحكومية وحدها، بل للكل فيها نصيب: الحكومة، القطاع الخاص، المجتمع المدني، نزولا إلى المدرسة والأسرة والفرد؛ لذا يُنتظر أن تقوم النُّخب بدورها كاملاً في تحقيق الالتفاف -الرعائي والتأهيلي- حول هذا المقصد التنموي، كما أن دَوْرِي ودورك -مواطنًا كنت أو أبًا أو موظفًا أو غير ذلك- يعتمد على مدى شعورنا بمسؤوليتنا والوعي بواجباتنا من حيث الدعم والتحفيز والمشاركة؛ وتوفير البيئة الملائمة لرفع نسبة "أدرينالين" الإيجابية لدى أبنائنا، إذ إنَّ شعوري وشعورك بهذه المسؤولية هو الفَيْصَل، والجزء الأهم والأكبر، بل والمحدِّد الرئيسي لملامح خارطة الطريق أمام فلذات أكبادنا؛ كي لا ينحرفوا عن الجادة، فيركنوا للانهزامية، ويسقطوا في براثن الإهمال واللامبالاة، أو إتقان لعب دور الضحية؛ لتبرير الإخفاق وكأسلوب دفاعي لتسويغ الإحباط واليأس تحت عبارات: "ما شي منه فايدة"، و"عادي"، وغيرها من عبارات ينبغي أن نمسحها من قاموسنا الإيجابي.

إن تَوَافر الإرداة السياسية مُجسَّدة في فكر عاهل البلاد المفدَّى -أيَّده الله- بتأهيل وتوظيف وتمكين شبابنا العُماني، وما نلمسُه من حراكٍ حكومي داعم، ووعي مجتمعي واسع، يُؤكِّد حَجْم الدور المنتظر من هذا الجيل الجديد؛ باعتبارهم همزة الوصل بين ما سيتحقق في حاضر الأيام، وما سوف تجلو به قوادمها؛ فهم -وبكل ثقة- الأقدر على تقديم الأفكار الإبداعية المتطابقة مع مُتطلبات العصر، ووضع خارطة تنفيذها.. إنَّهم صنَّاع التاريخ الجُدد، ومتى ما تحقَّق لهم الدَّعم والثقة من الجيل الأول، سيكونون قادرين على السير قدما في مسيرة النهضة، وبناء هُوية مفتوحة تقوم على تسخير كافة الإمكانيات والموارد من أجل حياة منتجة وكريمة.