"مِكونو" الذي نخشاه!

المعتصم البوسعيدي

ترك إعصار "مِكونو" بعد مروره على أراضي السلطنة جمالَ الإنسان العُماني؛ ليُعيد رسم لوحة المكان كما فعل من قبل في أنواء "فيت" و"جونو"، تِلكُم هي الحكاية باختصار، وذاك قبل كل شيء قدر الله الذي يعطينا الدروس؛ لنتعظ ونعتبر، ولنستغفره؛ حتى لا نتنادى مُصبحين، وحتى لا ننطلق خافتين، ولا نكون ظالمين محرومين طاغين، وحتى لا نلوم بعضنا البعض، ولنسبح المولى؛ ليبدلنا عن الشرِ خيرًا، ونحن له راغبين.

في الفترة التي عشنا معها ترقب الأنواء الأخيرة، كان ثمة إعصار "مِكونو" آخر في جهة أخرى يجتاح إخضرار القلوب، ويوغل ضارباً كل قيم الوحدة والألفة والمحبة، "مِكونو" رياضي يظهر القبح الذي ما فتأ يظهر دون حياء؛ حيث سقط الحياء منا منذ عهد لم تسلم معه كل مجالات الحياة، فهناك في العاصمة الأوكرانية "كييف" كانت الأنظار العربية والإسلامية موجهة لمن وحد الحب فيه، والوحدة فيه، والمؤازرة له، بالرغم أنه يمارسه كرة منفوخة لا غير!! لكن ذاك هو محمد صلاح وذاك هو حال العروبة التي ترتجي أي شيء يفرحها، وجاءت مواجهة ليفربول للملك الأوروبي العتيد ريال مدريد، وما هي إلا دقائق حتى سقط صلاح وخرج مُصاباً، ومعه -أيضاً- سقطت منا المبادئ والقيم، وتمادى الناس قولاً لا مدى له، فاستبيحت الأعراض ونسج الخياليون قصص المؤامرة ونوايا الصهاينة ورفعت أكف الدعاء داعيةً بأن يصبح أو يمسي "راموس" مقطع الأشلاء لا يعرف ملامحه، وعلى هذا فقِس ما شئت من أمنيات الغل والحقد والغضب! ذاك "مِكونو" الذي نخشاه ويزيد من شتاتنا ونظرة العالم عنا، ونحن في حقيقة إسلامنا مشاعل هُدى ونور هداية ذوي نفوس مطمئنة مسالمة.

وليس بعيدًا عن صلاح، وفي أم الدنيا مصر الحبيبة، انطلق "مِكونو" ليُشعلَ الرأي المصري بشكل عام والنادي الأهلي بشكل خاص؛ إثر تصريحات تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للرياضة والشباب في المملكة العربية السعودية، وما قدمه للنادي من دعم قوبل -حسب رأيه- بالجحود، تصريحات مست -كما شاهدنا- كيان الأهلي الكبير ورموزه وتاريخه، وتفجرت الردود الغاضبة في كل الاتجاهات، وكل نال من "الغضب" نصيب، قبل أن يدخل النجم المصري الخلوق محمد أبو تريكة في خضم الموضوع، ومع الشد والجذب، سُكبت كؤوس الشتائم والقدح والاتهامات، وكل ما يمكن تخيله في هذا الجانب، فأين المسير؟! وكيف يمكن أن نستعد لهكذا أعاصير؟! فدونها نحن لسنا "نخل" بل "أعجاز نخل" لا أحد يريد أن يشفق عليه أو يتعظ منه. فهل لنا من وحدتنا باقية؟!

صنعت الأنواء المناخية من السلطنة وبشهادة الخارج قبل الداخل مثالاً يُحتذى في إدارة الأزمات، وفي موسمنا الكروي كان "مِكونو" قد ضرب روزنامة الموسم؛ فخرج لنا مُنهك الحال، مُتعب البال، لا حول له ولا قوة حتى إنه في أنفاسه الأخيرة لم يعد ذا طعم ولا لون، وعلى هذا انتفض الاتحاد العُماني لكرة القدم، وعسى أن يكون ذلك من استفادة صنعتها التجربة لموسم قادم طُرحت -والحمد لله- روزنامته بشكل مُبكر، ويبقى علينا أن نضع يدنا على يدهم، وأتمنى أن تكون هناك قراءة جديدة لكل الأحداث المصاحبة لهذا الموسم بإيجابياته وسلبياته على حد سواء.