سنّة الله تعالى في خلقه

 

 

إبراهيم العربي

إنّ من سنة الله في هذا الكون الكبير أنّك تجد فيه الخير والشر، والحق والباطل، وهما في صراع دائم لا ينتهي ولا ينقطع إلى أن تقوم الساعة ودائما تجد أهل الباطل والضلال يبتكرون من الوسائل ما يمكنهم من أذى المسلمين ومضايقتهم، وإبعادهم عن دينهم بكل الطرق والوسائل المتنوعة ولو رجعنا بالذاكرة إلى أول مراحل الدعوة في أول البعثة المحمدية لوجدت أنّ زعماء قريش لم يكتفوا بمواقف الصد والمعارضة والتحدي والنظري بل إنّ بُغاتهم قد يجاوزوا ذلك إلى إيقاع الأذى بالمسلمين وفتنتهم عن الإسلام إلى الكفر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ونظر رسول الله إلى أصحابه فكانوا بين أمرين: إمّا أن يظلوا يتعرضون للأذى وقد تخون بعضهم أعصابهم فيضطرون إلى الارتداد. وإمّا أن يصبروا حتى يودي الصبر بحياتهم تحت التعذيب وما ذاك إلا لأنهم آمنوا بالله تعالى: وكان لابد من عمل ينقذ به عليه الصلاة والسلام القلة المؤمنة من الصحابة ويدفع عنهم الأذى، ويهيئ لهم المكان الآمن الذي يأمنون فيه من عدوان الباطل، وما كان هذا ليتنافى مع الصبر والتضحية فيما كان هذا التفكير إلا بعد الصبر والتوكل على الله رب العالمين، قال تعالى (قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنّما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

وقال رسول الله لأصحابه: (لو خرجتم إلى الحبشة، فإنّ فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه). فخرج المسلمون على دفعتين الأولى أحد عشر رجلا وأربع نساء والثانية ثلاثة وثمانون رجلا وثماني عشرة امرأة، فيهم المستضعفون والذين لا يجدون من القوم نصرة، وفيهم أبناء الأسر الكبيرة من قريش الذين يجدون لهم من زعامة آبائهم سندا ونصيرا، فكان خروجهم ضربة عنيفة لقريش وكبريائها وجحودها وإحباطا لجهودها وإغراء لعامة الناس بالهجرة وحلّ المسلمون ضيوفا كراما على النجاشي: فآواهم وأكرمهم، ولما علمت قريش بذلك ساءها الأمر، وبعثت وفدًا مكونًا من عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، بعثتهما بهدايا وتحف إلى النجاشي ليرد المسلمين على المشركين قالوا للنجاشي: أيّها الملك: إنّ ناسا من سفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم لتردهم إليهم فهم أعلم بهم. ورأى النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية، وسماع أطرافها جميعا، فبعث إلى أصحاب محمد وسألهم فتكلموا وقد أجمعوا على الصدق، وكان المتكلم عنهم جعفر بن أبي طالب فقال (أيّها الملك: كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه واتبعناه على ما جاء به من الله، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا إلى عبادة الأوثان، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك. ولما وشي المشركون بالمسلمين فذكروا للنجاشي أنهم يقولون في عيسى غير ما يعتقده النجاشي سأل جعفر: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قال: نعم، فقرأ عليه من سورة مريم حتى وصل إلى قوله تعالى: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً) فبكى النجاشي وأساقفته وأخذ عودا من الأرض وقال: ما زاد هذا على ما في الإنجيل قدر هذا العود، ثم قال لهم: اذهبوا فأنتم آمنون بأرض من سبكم غرم، ثمّ قال للوفد المشرك، لو أعطيتموني جبلا من ذهب ما سلمتهم إليكما ثم أمر فردت عليهم هداياهما، ورجعا يجران أذيال الخيبة والفشل والخذلان.

وكتب الله لأولئك المؤمنين بعد ذلك النصر والتمكين والأجر: قال تعالى (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لو كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فصراع الخير والشر مستمر إلى يوم نلقى الله والفائز في هذا السباق من يتمسك بالحق ويستعين بالله تعالى ويطلب من الله تعالى النصر والتوفيق، فهو القادر على ذلك ولنتأكد جميعا أنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك