المؤمن معتدل بلا مغالاة.. ينمي عقله بالنافع المفيد

محمد آل ثاني

المسلم في زحمة تبعاته التي يتحمَّلها، لا يشغله ذلك عن الاهتمام بنفسه؛ لأنه يعلم أن الإيمان يشمل المظهر والمخبر والباطن والظاهر؛ فالهيئة الحسنة والثوب النظيف والشكل المرتب كلُّ ذلك مِمَّا يدعو إليه الإسلام، ويحُث عليه الشرع.

كما أنَّ الإسلام أمَرَ بالموازنة بين أشواق الروح ومطالب الجسد، والعلاقة مع الآخرين، في منظومة متكاملة تُمثل المؤمن الحق؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا".

وقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم- أنَّ مُخالفة هؤلاء المغالاة في العبادة ليست من سنته في شيء؛ فقد جاء ثلاثة إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها ثم قالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصوم النهار ولا أفطر أبدا، وقال الآخر وأنا أقوم الليل ولا أرقد أبدا، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا؛ فلما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأُخبر بما قالوا، قال: أنتم النفر الذين قلتم كذا وكذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أما وإني لأتقاكم لله وأخشاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني.

 فالمؤمن مُعتدل في طعامه وشرابه، مستنيراً بقول الحق تبارك وتعالى: "وكلوا وشربوا ولاتسرفوا"، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه، فإن كان لا محاله فاعلا، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"، والمؤمن يُمارس الرياضة المعتدلة التي تقوِّي جسده وفق ضوابط الشرع؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير"، وهو أيضا نظيف الجسد والثياب لا تصدر من بدنه ولا من ثيابه الروائح المنفرة؛ فالله تعالى يقول: "وثيابك فطهر"، ويقول: "يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد"؛ وذلك باللباس الحسن والطيب. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده".

ولا ينسى أشواق روحه، فيعطيها حظها من العبادة لله تعالى، وينمِّي عقله بالنافع المفيد، ويغشى مجالس العلم ويرتاد حلق الذكر. فهو بهذه الأشياء مجتمعة يحقق الصورة المثلى للمسلم الحقيقي كما ينبغي أن يكون، وكما أراد له الإسلام أن يكون.

تعليق عبر الفيس بوك