رسالةٌ إلى القَلْقَشَنْدي

إبراهيم المصري – أديب وشاعر من مصر
 
الحمدُ لله جاعلِ المرءِ بأصغريه قلبه ولسانه والمتكلم بأجمليه فصاحته وبيانه..1
مولاي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القَلْقَشَنْدي
السلامُ عليكم
لقد قرأتُ كتابَكم "صُبْحُ الأعشى"
وراعني ما بسطتموه من أحوالِ البلادِ والعباد
وكيف كان الكتابُ "جامعَ اللسانِ والقلمِ على ترجمةِ ما في الضمائرِ، ذاك للأسماعِ، وهذا للأبصار"..2
وإنِّي لأعترفُ لكَ بالحُسنَيَين
إذ جعلتَ الأبصارَ قريبةً لنكتبَ الشِّعر
وجعلتَ الأسماعَ بعيدةً لنسمعَ غناءَ نحيلةِ الخصرِ خلفَ مشربية
وإنِّي لأُغبِطَكَ على قصِّةِ الأبراجِ من "قُوْص" إلى "أسوان"
وكنت أودُّ أن تتوسطَ لي لأعملَ برَّاجاً
ينقلُ الرسالةَ من ساقِ هذه الحمامةِ إلى ساقِ تلك
ولعلَّها يا مولاي كانت رسالةَ عشقٍ لا يفضحُ أمرَها
أن ينظرَ فيها برَّاجٌ بعينين نهمتين
وإنِّي يا مولاي
كاتبٌ من رعاةِ قصيدةِ النثر
هؤلاء الذين لم تمسكهم يدُكَ وتربطُهم في:
"أن يكون الشِّعرُ ممَّا لا يمكنُ حَلُّهُ بتقديمِ بعضِ ألفاظِهِ وتأخيرِ بعضِها،،
 فيحتاجُ في نثرِه إلى الزيادةِ فيه والنقصِ منه"..3
لقد حلَلَنا القيدَ يا مولاي
واستبحنا أن يكون الشِّعرُ نادلَ مقهى يصرخُ على مدارِ الساعة "أَيوَه جااااااااي"
بالجيمِ المصريةِ التي ربما بللَت روحكَ وأنتَ تدوِّنُ للأعشى صُبَحَه المنير
فمن طَلَب القُمَاري أعطيناه
ومَن طَلَب الفواختَ جلبناها له
ثُمَّ إنَّنا نكتبُ عن المقاهي والخاناتِ والحاناتِ والـ "تيك آوي"
ونحلُّ الشِّعرَ ونربطُه كحصانٍ
على أيِّ شجرةٍ أو عامود نورٍ كان يحملُ في الزمنِ الغابر
فوانيسَ معلَّقةً تحتَها بُسُطٌ سُلطانيَّة
وإنَّنا لنمزجُ في قصائدِنا بينَ بُسُطٍ كهذه والطائراتِ النفَّاثة
على أنِّي يا مولاي لم أعرفْ عنكَ الخَطَل
وإن تجاوزنَا عن "مَنف" تلك التي لم تُبَن بعد طوفانِ نوح
فلا أظنُّكَ وأنتَ بابُ علمٍ تخطئُ في "دمياط"
"تم أتي" مدينةُ المياه
تلك التي عندها، وأنتَ التقيُّ "مَرَجُ البحرين يلتقيان"
وليست اسمَ غلامٍ أمُّه ساحرةٌ كما جاءَ في صُبْحِكَ للأعشى
لكنني سأتبعُك
حتى وإن قِستَ المسافةَ إلى الطوفانِ بالفراسخِ لا بالكيلومترات
فما المسافةُ يا مولاي
في عقلٍ موسوعيٍّ وللهِ المثلُ الأعلى
لا يتركُ شاردةً ولا ورادةً إلَّا أحصاها
وهذا ممَّا ننوءُ به نحنُ رعاةُ قصيدةِ النثر
لأنَّنا وإن قدمنا للخيلِ علفاً جيداً
ولمصابيحِ الزيتِ عمياناً يستضيئون بها
وللفواختِ أغانينا الشعبيَّة
لا نقطعُ بالشبرِ سوى عنصرين
من "فِلزاتٍ وامضة"
وكنتُ قد قرأتُ كتابَكَ "صُبْحُ الأعشى"
وأعدتُ قراءَته مرَّتين
باحثاً عن العنصرِ الثالثِ من "فِلزاتٍ وامضة"
وها أنا بغِبطةِ التلميذِ الذي يُهدي لشيخِه طيلساناً
وبحذرِ المُجتهدِ الذي لا يحظى بأجرٍ أو بأجرين
أقولُ لكم
والعهدةُ على العصاةِ الذين من بينِهم الأعمى والأعشى
وقد قرأتُ كتابَكَ "صُبْحُ الأعشى"
وأعدتُ قراءتَه مرَّتين
أنا كاتب قصيدةُ النثرِ يا مولاي...
... أنا الأعشى.

...............................
1،2،3، من كتاب "صُبْحُ الأعشى" للقَلقَشَنْدي

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك