عُمانيون يا وطني

حاتم الطائي

مِنْ جَديد.. يُسطَّر العُمانيون مَلحمةً وطنيةً تُدرَّسُ في التعاضدِ والتلاحمِ والإخاء الفِطْري بين أبناء الوطنِ الواحد، مُبرهنين عمليًّا على أنَّ الأزمات مصنعُ الرجال؛ فما شَاهدناه من نماذج حية للتكاتفِ والإيثار، ومَشَاهد يتجَّلى فيها التآزر الجماعي بأروع صُورِه، قبل وأثناء إعصار مكونو، يكشفُ معدنَ العُماني الأصيل، ووطنيته وقدرته على التعاطي مع الأحداث، فَردًا كان أو مسؤولا أو مُتخذًا للقرار، ظَهَر الجميع مُتلاحِمين.. بنيانٌ مرصوص، يلتف فيه الجميع حول صالحهم الإنساني والوطني. لقد تمكن العُمانيون من إدارة أزمتهم بكلِّ ثقة، مُقدِّمين للعالم نموذجا في المسؤولية والقدرة على التعامل مع الأزمات، يُحتذَى به مُستقبلا من قِبَل الجميع.

مهنيةٌ عالية من الهيئة العامة للطيران المدني -المديرية العامة للأرصاد الجوية- للتعامل مع الحالة المدارية، ومراقبة على مدار اللحظة للتطورات وتحليل التنبؤات؛ لإعطاء صورة واضحة لمسارات الإعصار.. مقابل جاهزية على أعلى مستوى لمختلف أجهزة الدولة لاستقبال الإعصار والتعامل مع أي طارئ؛ باجتماعات مُستمرة، ومُباحثات بين جميع المعنيين، نشرتْ الطمأنينة على امتداد هذا الوطن من أقصى جنوبه لأقصى شماله، شرقًا وغربًا.

انتشار واسع لرجال الجيش السلطاني العُماني البواسل وشرطة عُمان السلطانية، واللجنة الوطنية للدفاع المدني والإطفاء، والبلديات، وما أظهروه من استعدادات وتفانٍ لتوفير سبل الأمان أمام المواطنين في المناطق المتضررة، بمواقفٍ تشهدُ لهم بالقدرة والكفاءة العالية، باعثينَ الثقة والارتياح في النفوس بتجاوز الأزمة مهما بلغتْ ذروتها.

إعلامٌ مهنيٌّ مُحترف، ونقل تليفزيوني حي على مدار الساعة، ومراسلون مُتواجدون بالميدان لم يُثنهم الخطرُ عن الوفاء بأداء مهمتهم على أكمل وجه، بتعاملٍ مباشرٍ مع التطورات، اتسمَ بالموضوعية في التعاطِي مع الحدث والأطراف ذات العلاقة، بخطابٌ تُمليه روح الواجب الوطني، وشفافية في نقل المعلومة؛ تعميقًا للُّحمة الوطنية في مواجهة الخطر، وتوعيةً للمقيمين من الجنسيات المختلفة؛ إذ بُثت رسائل التوعية والتحذير على مدار الساعة -ولأول مرة- بالأوردو والهندية لتصل إلى الجميع، لضمان سلامة الجميع.

مواطنون في أرجاء الوطن يُبدعون رسم لوحة راقية عنوانها الالتفاف والعمل الفردي/الجماعي لتجهيز مراكز الإيواء وتزويدها بالخدمات والمواد اللازمة، والتواصل مع المتضررين لتقديم العون لهم، رافعين شعار "وإذا صاح الجسد بظفار وتألم، تداعت له عُمان بكل ما فيها"، فيما تسابق آخرون لتقديم مَنَازلهم وبنايات يملكونها خدمةً لمن مسَّه الضرر.

منصَّات التواصل الاجتماعي العُمانية، قدَّمت هي الأخرى مواقف تعكس وعيًا مجتمعيًّا متقدمًا وعميقًا، حيث أظهرت هاشتاجات "#عُمان_مُستعدة"، و"#ميكونو"، و"#صلالة_الآن"، و"#ظفار"، "#الاستجابة_الميدانية" -والتي تبادلت على صدارة "تويتر" خلال اليومين الماضيين- أَبْدَع صُوَر التعاطي مع هذه الظروف، بما قدَّمته من رسائل تحفيز للمجتمع، وبث الحماس في النفوس، حتى الإشادات كانت إيجابية وتعكس روحًا عالية يتمتع بها أبناؤنا في هذا المجال، والأهم هو أخذ المعلومات من مصادرها الرسمية، مترفعين في مثل هكذا ظروف عمَّا يُعكر صفو المجتمع.

.. إنَّ إعصار مكونو بقدر ما أحدثه من أضرار، إلا أنه -كغيره من المواقف المشابهة- أبرز أسمى ما في العُمانيين من قيم وشمائل وتناغمٍ وتعاضدٍ وتلاحمٍ، والتي تعدُّ المكوِّن الرئيسي لجعل عُمان دولةً مُطمئِنةً، تنعمُ بالاستقرارِ والأمن والأمان والسَّلام الداخلي، مقدمة أفضل أنموذج مُعاصر في المنظومة الدولية، يُشكل التلاحمُ المجتمعيُّ فيه حجرَ الزاوية في بناء هُوية عُمانية أكثر قوة وتماسكا.

دعواتنا الصادقة بأن يحفظ ربُّ البرية عُمان من كل سوء، وأن يُبقيها وطنًا واحدًا، جسدًا واحدًا، نبضًا واحدً، تُظللها سُحب الإخاء والتلاحم، المُحمَّلة بالخير العميم، والتي أنَّى أمطرت فسيأتينا خَرَاجُها وِحدةً وقوةً: من مسقط، إلى كِمْزار، ومن البريمي إلى جبال ضلكوت ورخيوت.. ولتبقَى عُمان وصلاح أبنائها هما البوصلة الحقيقية لتحديد وقياس قيمتيْ الخير والعطاء.

عُمانيون يا وطني .. وفي الأزمات نتحد

إذا ما جاء مكونو .. فنحن الأرض والبلد

(سعيد الشامسي)