مشاهد وداع..!

 

المعتصم البوسعيدي


في إيطاليا، هناك "عجوز وقور" ودع "سيدة عجوز"، والدموع في "تورينو" لم تكفِ المدينة.. مصابيح إيطاليا انطفأت في لحظة وداع، فالأسد ترك العرين، وفي القلب غصة من "آزوري" لم يحجز تذكرة روسيا، ومن "يوفي" استعصت عليه ذات الأذنين الأوروبية، لكن العزاء كبيراً ومؤثراً؛ حيث إنَّ مشهد الحب الذي اجتمع على تقدير واحترام أسطورة الحراسة العالمية "بوفون" بأناقة الوداع الحزين، تكرر في مباراة اعتزال المايسترو الإيطالي "بيرلو"؛ فاجتمع النجوم في حضرة "السان سيرو" ولوحت الجماهير مودعةً جامع قطبي إيطاليا الكبيرين "بكاريزما" شخصيته خارج وداخل الملعب.
...
في إسبانيا، وعلى أقليم "كتالونيا" وبالتحديد على ملعب الأساطير "الكامب نو"، وضع الرسام "إنيستا" لوحته الأخيرة وسط حضور عالي الفخامة، لوَّح مودعاً جمهور ملأ المدرجات وأناره بالحب والتبجيل لأحد رموز الكرة العالمية والإسبانية والبرشلونية العِظام، وما فتأت الكلمات تتناثر من كل أرجاء الدنيا، حُزناً على صانع فرح الفرجة ومتعة المشاهدة، وروح الرياضة الجميلة. أما العاصمة مدريد، فكان طائر "الروخو بلانكوس" يُعلن قرار توقفه عن الطيران، وليس ثمة نهاية أسعد من الحصول على تاج أوروبي كمسك ختام لرحلة "النينو توريس" الذي رفرف من بيته وخاض معركة ناجحة في موطن "الأسود الثلاثة" وعاد لـ"أتلتيكو سيميوني" ليُصنع له ممر شرفي على كل عطاءاته مع النادي والمنتخب.
...
في المملكة العربية السعودية، وقبل شهر تقريباً، كان هناك حفل اعتزال لأحد نجوم نادي النصر والمنتخب السعودي "الموسيقار" فهد الهريفي، حفلٌ جاء بعد سنوات طويلة جداً من الاعتزال، في مسلسل متكرر بالكرة العربية بشكل عام؛ فهناك تكاليف الحفل وإيجاد الرعاية والدعم، وانتظار -ربما- تدخل شخصيات شرفية وسط ضجيج قد يلغي كل شيء بالسلب أو الإيجاب، فيظل اللاعب حبيس حلمه حتى يفرجه سبب أو مسبب، على أن في المملكة قد نجد نماذج جميلة وداعمين كُثر، إلأ ان وعي التكريم الحاصل في مثالي إيطاليا وإسبانيا غير موجود في الفكر الإداري ولا حتى الجماهيري؛ فالاعتزال معنا يجب أن يصاحبه إحضار فريق كبير جاذب لضمان الحضور رغم ارتفاع التكلفة، لا أن تكون -كمثال- مباراة أخيرة يخوضها اللاعب مع ناديه أو مع المنتخب كما يحدث مع النجوم العالمية.
...
في عُمان ينطبق المثل القائل "الضرب في الميت حرام"؛ فليس ثمة نموذج حقيقي يمكن الاستناد إليه في تكريم نجوم الرياضة العُمانية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، والجميع يعلم عن "غلام خميس" الذي رحل عن الدنيا دونما يتحقق حلم مباراة اعتزاله، فكيف السبيل للوصول إلى ما وصل إليه الآخرون؟! سؤال قد يُتحجج بإجابته بكلفة حفل الاعتزال، وعدم وجود الدعم الكافي من القطاع الخاص والعام، إنما ذلك مردود عليه؛ فالإجابة -في رأيي- أكبر من ذلك، وتتعدَّى مسألة تنظيم حفل إلى مسألة وجود بيئة تساعد على وضع النجوم محل التقدير بعد نهاية مشوار عطائهم، بيئة عند لحظة الوداع لا تحتاج لنداء خاص، ولا ترتيبات هائلة، بيئة يجب أن تتداخل فيها كل الأطراف من رأس الهرم الرياضي وحتى مدرجات الجماهير، وحتى ذلك الحين لن نجد في صحرائنا إلا السراب، والعجيب أننا نشاهد بتأثر مشاهد الوداع في إيطاليا وإسبانيا وحتى في الجوار، ثم ننام على وسادة لا تُحيلنا إلى نجوم ملاعبنا وهم يقفون مثل تلك المشاهد التي يستحقونها بكل تأكيد.