علاقة المؤمن بربِّه

 

 

محمد بن سعيد آل ثاني

 

علاقة المؤمن مع ربه تتطلب أن يكون مؤمنا بالله حق الإيمان، مذعنا له حق الإذعان، كيف لا وهو الذي أوجده من العدم، وأسبغ عليه من واسع الكرم، وبسط له نعمه الظاهرة والباطنة "وما بكم من نعمة فمن الله"، وسخر له ما في الكون من ذراته إلى مجراته لخدمته "وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه"، و"وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار".

فهو يحس بعظمة هذا الخالق العظيم، ويستشعر وجوده جل شأنه في كل ما حوله من الموجودات وما بثه في هذا الكون المترامي الأطراف من مخلوقات.

وقد حثَّنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على التفكر الواعي في المخلوقات، فقال جل شأنه: "تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق، فإنه لا يدرك إلا بتصديقه".

وهذا بدوره يقود المؤمن إلى الإذعان الكامل والخضوع المطلق والانقياد التام والاستسلام لأمر الله ورسوله، وهو دليل رسوخ الإيمان في نفس هذا المؤمن، قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، وقال سبحانه: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا"، وبهذا الإيمان الراسخ يعيش المؤمن هادئ النفس مطمئنَ البال مستريحَ الضمير، فهو يعلم أنه لا يتحرك متحرِّك في هذا الوجود ولا يسكن ساكن إلا بأمره سبحانه "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في السماء الا في كتاب من قبل أن نبرأها"؛ فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

فهو يرضى بحلو القضاء ومره لأنه يعلم أنه يؤجر على كلا الحالين، قال صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".

وقد يضعف المؤمن أمام نفسه فيسقط في حمأة الذنب، ويتدنس بوحل الخطيئة، لكنه سرعان ما يعود ويرجع إلى ربه: "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون". فهذا شأن المؤمن مع ربه إيمان صادق عميق وعمل صالح مستمر وتطلع دائم إلى رضوانه، يؤكد عبوديته له، ويحقق الهدف من وجوده في هذه الحياة "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".

تعليق عبر الفيس بوك