ومضات فكرية من كتابات حاتم الطائي (17)


(أ‌)    الربانيّة لغةً واصطلاحًا:

(1)     ورد مصطلح "الربانيّة" في (سورة آل عمران: 79) من قوله تعالى: "مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ".

(2)     اشتقاق كلمة "ربَّاني" جاء من (الرَّب)؛ ويعني أنَّ يكون المرء شديدَ القرب من الله تعالى، يتلقَّى منه منهجه في هذه الحياة، ويعتمد عليه في سَيْرِه، وأنَّ إليه مرجعه ومنقلبه.

(3)     جاء في تأويل قوله تعالى: "كُونُوا رَبَّانِيِّينَ" أي كونوا عُلماء حُكماء وعُقلاء، أَعْمِلُوا عقولَكم بالنظر، والتفكُّر، والتدبُّر، والتأمُّل، والمعرفة، والقدرة التي تدفع إلى الشعور والتفكير.

(4)     تأويل "الربانية" "عَكْس الرهبانية"؛ فالربَّاني لا ينعزلُ على نفسه في بيته ذاكرًا، مُسبحًا، تاليًا، قائمًا، عابدًا.


(5)     الربانيّة رسالةُ السماء جاءتْ بها كل الأديان، وتفرضُها اليوم طبيعةُ الحياة، وحقيقة ديننا العظيم أن نكون ربانيين بمعنى الكلمة.

(ب‌)    الغاية من "الربانيّة":

(1)     إعلاء دور العقل البشري وقدراته اللا محدودة بالعلم والقراءة والمعرفة.

(2)     الأمر الإلهي "كُونوا ربانيين" يمثل عُمق بناءِ شخصية الإنسان، المتخلِّق بأخلاق السماء؛ من رحمةٍ وتسامحٍ وقوةٍ وصلابةٍ وعزيمةٍ، وجميعها مضامينُ أسماءِ الله الحسنى وصِفاته العُليا كمعين لا ينضب.

(ت‌)    سمات الإنسان الربانيّ:

(1)     الربانيّ لا يرتكن إلى نفسٍ مهزومة غير قادرة على إحداث التغيير.

(2)     الربانيّ ذو هِمَّة عالية، ونفسٍ مُراقِبة، مستبشرة دومًا بالخير في الدنيا والآخرة.

(3)     الإنسان "الرَّبانيّ" مزيج بين الرُّوحاني والعقلي والمجتمعي، يسعى دومًا للمعرفة، واضح الرؤية، عميق المأخذ، ذو علمٍ راسخ، وعملٍ جادٍّ مُخلص يؤديه بورعٍ وتواضع.

(4)     الإنسان "الربانيّ" يبني نفسه ويبني غيره، يعمل بما عَلِم، ويُعلِّم ما تعلَّم، يشق لقومه الطريق نحو الفلاح والنجاح، يُربيهم، يعلِّمهم الخير، يدعوهم لما فيه مصلحتهم، سعيٌ دائمٌ لا يعرف الكلل نحو الكمال والخَير وعِمارة الأرض.

(ث‌)    فكرة في همسة:

(1)     "شهر القرآن" يُهيئ كل عام الفرصة أمام إعمال أكبر للعقل البشري لاستنباط المعاني البعيدة في الآيات، وفق مدلولاتها وسياقاتها.

(2)     لستُ بصدد تفسير آيات من القرآن الكريم، فهذا ما لا أستطيعه، فضلا عن أني لا أملك أدواته، بل هي استجابةٌ لفطرةٍ إنسانيةٍ تُعْلِي شأن العقل والتفكير والعلم؛ لترقِّي مِعْرَاج الكمال الإنساني الذي جاء به ديننا الحنيف.

تعليق عبر الفيس بوك