نصّ (ياورد) لـ"سعاد محمد" قدّاس للعشق الصوفيّ


جمال قيسي – العراق


قداس المعابد العتيقة، أجراس نغماتها تراقص الروح، مع أجراس القصيدة المتعددة، والتي غالبًا ما تكون  موسيقى الشعر  لقصائد (سعاد محمد) متنوعة التناغم والهرمونيكا في توالي المقاطع وهنا نلفت النظر إلى قضية أدبية مهمة؛ تمتاز بها قصيدة النثر دون غيرها، وهذا المصطلح هو (البوليفونية) والذي سنتكلم عنه بإيجاز. وتوضيح؛ أي بمعنى المفهوم.
والوظيفة (البوليفونية -polyphony) في الموسيقى، يقصد بها أي موسيقى حيث تصدر نغمتان أو أكثر في الوقت نفسه. و(المصطلح مشتق من اللغة اليونانية "الذي يعني أصوات كثيرة")
وأول من وظّف هذا المفهوم في الأدب المفكر  باختين من خلال دراسته لروايات ديستوفسكي  حيث وجد أن فيها نمطًا أدبيًّا جديدًا من خلال تعدد الأصوات، أو المبدأ الحواري، والذي ذهبت في تعريفه جوليا كرستيفا بالتناص، ونحن بدورنا نستعير هذا التوظيف للمصطلح، ولنا أسبابنا وهو أن قصيدة النثر  تمتاز بالجمل السردية وكذلك تشكل خطابًا  يكتنز بالتناص. فلاضير؛ بل إنها ميزة أن تكون قصيدة النثر متعددة الأصوات لأنها تحمل صفات الخطاب الفاعل بمعطيات  كاملة.
 وفي عودتنا للنص الباهر للمتألقة (سعاد محمد) أتذك وأنا في  المدرسة الابتدائية حيث كان لنا كطلاب حصة قراءة تتم في المكتبة بعد أن نختار كتابا معينا، وأول كتاب كان من اختياري هو  قصة يوليوس قيصر؛ فقد تعلقت بالقصة أيما تعلق، واكتشفت في لاحق العمر أن السبب؛ هو الصياغة التعبيرية للقصة مع  التوظيفات الشكسبيرية ذات الشعرية.
فنحن نتعلق ببيت شعر أو مقطع لنص أدبي بحكم الصورة الزاخرة التي يبدع كاتبها بمفاجأة وعينا الدارج ويسحبنا إلى عالمه الساحر. وهذا الألق  الذي نعجز على توصيفه ولا تستطيع أي فرضية علمية تحديده. أقولعنها : إنها حياة الروح، اللحظات المشبوبة بالمشاعر، ذات الخلق التاريخ المتعلق بالمعنى الوجودي؛ حيث لا معنى للأسباب، أو التبريرات، إنه دولاب النور الساطع في  المناطق القصية من كل واحد منا، أو ربما الشعلة الإلهية المقدسة، فالإبداع الآخاذ  هو النور الساطع من هذه الشعلة الإلهية المقدسة، وهكذا نتعلق  بهذه البيانات الإلهية المنطوقة في الأدب؛ لنأخذ  مثالاً عندما يقول الشاعر نزار قباني:
(يامن. صورت لي الدنيا،،، كقصيدة شعر
وزرعت جراحك في صدري ،، وأخذت الصبر
إن كنت ،، أعز عليك ،، فخذ بيدي
فأنا مفتون من رأسي حتى قدمي)
أي كلام هذا، وأي تاريخ، وأي تحديد علمي يمكن أن يؤطره، أو عندما يقول  المنخَّل اليشكري
( وَإِذَا الرِّيَاحُ تَكَمَّشَتْ = بِجَوَانِبِ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ
أَلْفَيْتِنِي هَشَّ النَّدَى = بِشَرِيجِ قِدْحِي أَوْ شَجِيرِي
وَأُحِبُّهَا وَتُحِبُّنِي = وَيُحِبُّ نَاقَتَها بَعِيرِي)
 
هذا هو سلسال النور، هو ما يُبقي الإنسان حيًّا في الخاطر، إنه نوع من اقتحام الحتمية، تبرير للمآل، فائض الوعي الذي  يرتب المبدع فوضاه، ويقلل من هدره؛ لذلك نحلِّق، مع امرئ القيس والمتنبي، وأحمد شوقي ، ورامبو، وبودلير، ووايتمان، وشكسبير وغيرهم من النورانيون،
ولا أخفي إعجابي  بشعر (سعاد محمد) إذ أنها تنتمي لنفس  القبيلة، القبيلة الذهبية، وفي هذا النص الساطع (ياورد) تقف (سعاد محمد)  كمنارة باسقة في هذا العصر، بقدرتها الشعرية، ففي مقطع تقول:
(يسيلُ طيفُكَ عليَّ
يوقظُ يديَ
 (من مالِ صوتِكَ هاتِ أمنيةْ)
تصدَّق عليَ في وَضَح ِالشّوقِ
ولو بأغنيةْ!)
كيف لك أن لا تختاض  مشاعرك وأنت تسمع مثل هذا الكلام،،،
في التاريخانية المحدثة، والمطلقة، هذا هو حال الشعر، زمانه خاص به، رغم ترابط  الأيديولوجية في داخله، مع السياقات الخارجية، لننظر مثلًا،،( جاء في القصائد المجاورة) -  هو حد مطلق زمانيًا، ليتحول في المقطع الثاني، إلى الماضي، (وأخبار الأولياء  والمجانين) ؛ ومن ثم  يكتسب صفة المضارع، بانفتاح على الحاضر والمستقبل في (جاء في صريح عينيك. - فهل تكذب عيناك)، هذا بالإضافة إلى أن المقطع هو، من عيون الأدب العربي.
لمِّعْ أنوثتي بـ (أحبكِ)
أعدْها, يا وردُ, أعدْها
جاءَ في القصائدِ المجاورةِ
وأخبارِ الأولياءِ والمجانينْ
وأيضاً..
جاءَ في صريحِ عينيكْ
أنَّ منْ يمرَّ بعاشقةٍ تلقي بذورَ جمرها
ولا يدلي بماءِ الكلامِ
فسيخالجُهُ الذبولْ
فهل تكذبُ عيناك؟!

 

 

(قَلِّبْ قلبكَ يا وردُ
وصدَّقْ الرّيحَ, الرّيحُ حرَّةْ
خيمتُكَ الزاهدةُ أنا
أقربُ دروبِكَ إلى الله
وأكثرُ كفراً من نباهةِ تموزْ)
معك حق سيدتي، أنت أقرب دروب الروح إلى الله،،في هذا السياق الكلامي، وهذا التوصيف. الساحرن والمناخ الصوفي، لزاهد يجوب الصحراء، باحثًا عن رضا الله  عندما تقولي: (أنا خيمتك،، أنا أقرب الدروب إلى الله).

 


يا وردْ
-----
عرسٌ منْ عَتمةٍ وزهرْ
كأنفاسِ المعابدِ
تتململُ الحواسُّ تحتَ ركامِ الذاكرةْ
يسيلُ طيفُكَ عليَّ
يوقظُ يديَ
 (من مالِ صوتِكَ هاتِ أمنيةْ)
تصدَّق عليَ في وَضَح ِالشّوقِ
ولو بأغنيةْ!

صوتُكَ المتراميَ الأضدادْ
لهُ نزوعُ حانةٍ بمنْ حضرَ منَ الرّغباتْ
وله شرودُ البخورِ في تفاسيرِ العفّةِ
يلجمُ شياطيني الصغيرةْ
 
لا يدّ ليَ, يا وردُ, على الحبّْ
على عمايَ مشيْتُ صوبَكَ
على عمايْ
استفاقّتْ بي كلُّ مواهبِ الغجرِ
وحَجَلَتْ  العواصفُ في دمي
سأبرُّ بقلبيَ الآنَ
وأذبحُ اللَّيلَ على عتبتِكْ!

لمِّعْ أنوثتي ب(أحبكِ)
أعدْها ,يا وردُ, أعدْها
جاءَ في القصائدِ المجاورةِ
وأخبارِ الأولياءِ والمجانينْ
وأيضاً..
جاءَ في صريحِ عينيكْ
أنَّ منْ يمرَّ بعاشقةٍ تلقي بذورَ جمرها
ولا يدلي بماءِ الكلامِ
فسيخالجُهُ الذبولْ
فهل تكذبُ عيناك؟!
 

قَلِّبْ قلبكَ يا وردُ
وصدَّقْ الرّيحَ, الرّيحُ حرَّةْ
خيمتُكَ الزاهدةُ أنا
أقربُ دروبِكَ إلى الله
وأكثرُ كفراً من نباهةِ تموزْ

اعبرِ الصّمتَ يا وردُ
قالَتْ ليَ الطّريقُ:
أنَّي ولدْتُ لأتبعَكْ
خذْنِي معكْ
خذني لأكونً شامةً في إصبعِكْ
لأكونَ خمراً يُكوّمُ على أجفانِكَ النعاسَ
حين ينفردُ بكَ القلقْ
وأطعمُ ليلَكَ خبزيَ المعجزةْ!
وعدتني ,يا وردُ, بالتّفاحِ
وها حلقُ القلبِ دربُ سَفَرجلْ
قلبي وقفٌ لعينكَ
خذْني إليكَ
أو ما أخذتَهُ مني..ردَّهْ!

 

تعليق عبر الفيس بوك