كتاب جديد يرصد المقاومة العُمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي

مسقط - الرؤية

يناقش الباحث أحمد بن حميد بن الذيب التوبي في كتابه (المقاومة العُمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي: 1507-1698م)، الصادر عن مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان، دراسة علمية مهمة لهذا الموضوع التاريخي الذي يجسد حلقة مضيئة من تاريخ عمان، بما سطره العمانيون من نضال في تحرير وطنهم من المستعمر البرتغالي، بل وتحرير الخليج العربي ومطادرة البرتغاليين إلى سواحل الهند ودحرهم في إفريقيا.

ويذكر المؤلف الهدف من هذه الدراسة الذي يتمثل في توضيح أهم الملابسات التاريخية التي شهدتها عُمان خلال فترة وصول البرتغاليين إلى المنطقة، وخاصة الوضع السياسي السيئ في عمان خلال فترة حكم بني نبهان، كذلك قيام العمانيين بمقاومة الوجود البرتغالي، والمهم هنا أنَّ تلك المقاومة لم تخبو نارها مع سوء الأوضاع في عمان لاسيما السياسية، بل استمرت منذ مجيئهم وحتى بداية المقاومة المنظمة للبرتغاليين في عهد أئمة اليعاربة أي على مدى قرن ونصف القرن، كذلك توضيح  الدور الكبير للعمانيين في تحرير مناطق الخليج العربي والساحل الغربي للهند والساحل الأفريقي الشرقي من المستعمرين البرتغاليين.

 خصص الباحث الفصل التمهيدي للحديث عن أوضاع عمان قبيل وصول البرتغاليين، أما الفصل الأول فناقش فيه موضوع الاحتلال البرتغالي للمدن العُمانية، وهنا يؤكد أنَّه إذا كان البرتغاليون قد وصلوا إلى منطقة الشرق لتحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها الهدف الاقتصادي، وهو الحصول على التجارة الشرقية من مصدرها الأساسي في الهند، ومع هذا نجد أنهم وصلوا إلى عُمان رغبة في السيطرة عليها.

وفي الفصل الثاني يتطرق الباحث إلى ثورات العمانيين ضد الوجود البرتغالي، إذ وقعت المناطق العمانية الساحلية من صور حتى مسندم في قبضة المستعمر البرتغالي، وذلك تنفيذاً لسياسة السيطرة الاقتصادية على التجارة في المنطقة، من خلال إغلاق مضيق هرمز ومنع العرب من مزاولة التجارة مع المناطق الهندية.

ويرى المؤلف أنَّ مقاومة المستعمر البرتغالي كانت تجري في عروق العمانيين منذ البداية، حيث رأينا ذلك عندما وصل البوكيرك إلى السواحل العمانية، فلم يستنكف العمانيون عن مواجهته بما أوتوا من قوة ولم يرضخوا له، فقد قاوموه في قريات ومسقط وغيرها من المدن، ولولا أن العمانيين كانوا يعانون من مجموعة من الظروف التي كبلتهم وجعلتهم أقل قوة من البرتغاليين، فقدر عليهم خضوعهم للسيطرة البرتغالية، لكان للوجود البرتغالي في المنطقة كلام آخر.

أما الفـصـل الـثـالـث فيتناول فيه الباحث قـيـام دولـة الـيـعـاربـة والـمـقاومـة الـمنـظـمة ضـد الـبـرتـغـالـيـيـن. وفي هذا السياق يؤكد أنّ المجتمع العماني مر بمرحلة عصيبة من تاريخه خلال فترة عصر بني نبهان، وبطبيعة الحال فإن الشعب العماني قد تفاعل بكافة شرائحه مع تلك الأوضاع المرفوضة. وكان الكفاح من أجل التخلص من تلك الأوضاع المريرة سبيلا للنجاة، وقد كان على رأس المناهضين للأوضاع السائدة العلماء، حيث عملوا جاهدين على إيجاد حركة سياسية جديدة، انتهت بإعلان الإمام ناصر بن مرشد حاكماً عامًا للبلاد عام 1624م.

ويتناول المؤلف في هذا الفصل موضوع مبايعة الإمام ناصر بن مرشد 1624م، وتوحيد البلاد، ثم مواجهته للبرتغاليين في عدة حملات.

كما يتطرق إلى مرحلة الإمام سلطان بن سيف وطرد البرتغاليين من عُمان 1650م.

وفي الفصل الرابع من الكتاب يسلط الباحث الضوء على البحرية العمانية في مواجهة البرتغاليين في البحار الشرقية لتشمل المحيط الهندي والخليج العربي والبحر الأحمر.

وفي الفصل الخامس يتناول المواجهة العمانية للبرتغاليين في شرق أفريقيا، فيتحدث عن أحوال شرق أفريقيا في ظل السيطرة البرتغالية، وأسباب ملاحقة العمانيين للبرتغاليين في شرق أفريقيا.

وفي خاتمة الكتاب يؤكد الباحث أنَّ عُمان كانت منقسمة إلى ممالك متعددة متناحرة فيما بينها، وكان يترأس هذا ملوك بني نبهان، وهو الأمر الذي سهل وصول مجموعة من القوى الخارجية التي وضعت أيديها على الأراضي العمانية، وهم الفرس وبنو جبر ومملكة هرمز، وقد تزامن هذا الانقسام السياسي في عمان مع وصول البرتغاليين إلى المنطقة، فبعد احتلالهم لمناطق في شرق أفريقيا وصلوا إلى عمان؛ كونها بوابة الخليج العربي لمنع التجارة عن دخول المنطقة تحقيقاً لسياسة المضايق، فوجدوا من عمان بسبب انقسامها أرضا سهلة للسيطرة عليها، وكذلك حاولوا بسط سيطرتهم على مضايق أخرى غير هرمز لاسيما مدخل البحر الأحمر.

ونتيجة لهذا الصراع والتناحر والخلاف يرى الكاتب أن البرتغاليين تمكنوا من السيطرة على الأرض العمانية، وما قدومهم إليها إلا كان مدفوعا بمجموعة من الأسباب، يأتي في مقدمتها السبب الاقتصادي وهو الرغبة في السيطرة على التجارة، ويلعب الموقع الاستراتيجي المهم دورا في كونها منطقة عبور للتجارة الشرقية، فبدأت المدن العمانية تتساقط الواحدة تلو الأخرى في أيدي البرتغاليين.

ويؤكد المؤلف أنه رغم ذلك الصراع إلا أن العمانيين لم يستكينوا للمستعمر البرتغالي بل تصدوا له منذ البداية ومنذ أن وطئت أقدام البرتغاليين الأرض العمانية، فقد كانوا يدافعون عن أراضيهم، وقد أسهم أمراء مملكة هرمز في ثورات العمانيين، إلا أن تلك الثورات كانت انتفاضات شعبية واضحة، فقد أظهرت الروح الوطنية، كما أن الداخل العماني كان هو الفتيل لإشعال الثورات في الساحل المحتل، وبالتالي فقد تضامن الجميع في تلك الثورات المتلاحقة طيلة فترة وجود المستعمر البرتغالي سواء كانوا حكاما أو زعماء قبائل عمانية، أو عامة العمانيين القريبين من المدن المستعمرة أو بعيدين عنها في الداخل.

وكان الوضع المتأزم في عمان سبيلا للوصول إلى انتفاضة كبرى بقيادة علماء عمان كان نتيجتها اختيار زعيم جديد لعمان وهو ناصر بن مرشد اليعربي ومبايعته بمنصب الإمامة عام 1624م، وهو إيذان ببلوج فجر جديد لعمان، حيث قام بلم الشتات السياسي، ثم حارب المستعمر البرتغالي، حتى انقضى عهده عام 1649م وقد انحسر الوجود البرتغالي في مطرح ومسقط فقط، ليأتي عهد خلفه الإمام سلطان بن سيف الأول، الذي استطاع طرد البرتغاليين وتحرير الأرض العمانية منهم نهائيا عام 1650م.

تعليق عبر الفيس بوك