هل يدعم ترامب التيار المتشدد في إيران؟

 

صالح البلوشي

باستثناء الكيان الصهيوني، وبعض الدول العربية؛ فإنِّه لم يحظَ قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي -المعروف باسم: "خطة العمل الشاملة المشتركة"- مع إيران بالترحيب في العالم. حتى الدول الأوروبية التي عُرف عنها تحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة؛ فإنها أعلنت -صراحة- معارضتها للقرار، ووصفته بالخاطئ. بل إن وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان صرّح قبل عدة أيام في مُقابلة نشرها الموقع الإلكتروني لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية: "إن عقوبات واشنطن على الشركات الأجنبية في إيران بمثابة "قيود مرفوضة"، مشددًا على ضرورة تفاوض الأوروبيين مع واشنطن؛ لتفادي آثار هذه العقوبات".

وأضاف أيضًا: "نقول للأمريكيين: إن التدابير العقابية التي سيتخذونها تبقى شأناً خاصًا بهم، والأوروبيين ليسوا مضطرين لدفع ثمن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران."

ولكن؛ إلى جانب الكيان الصهيوني، الذي يُعدُّ من أشدّ المؤيدين للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، فإنَّ هناك طرفًا كان معارضًا للاتفاق، حتى أثناء المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1، وكان يُراهن على فشله بعد التوقيع عليه مُباشرة؛ إنه التيار المُحافظ في إيران، الذي كان يراهن منذ البداية على فشل الاتفاق، لأسباب نوضّح بعضها في المقال، وبهذا التنصل الأمريكي من الاتفاق؛ استطاع أن يُحقق انتصارا كبيرا على التيار الإصلاحي، الذي يرأسه الرئيس الحالي حسن روحاني.

وفي الواقع؛ فإنَّ الرئيس ترامب أعطى منذ أن ترأس الولايات المتحدة انتصارين على طبق من ذهب للتيار المحافظ في إيران. الانتصار الأول: عندما كتب تغريدة، أعلن فيها صراحة عن تأييده للمظاهرات التي اندلعت في إيران قبل عدة أشهر؛ رفضًا لبعض السياسات الداخلية الحكومية، وهو ما أعطى ورقة سياسة مهمة جداً كان التيار المحافظ في انتظارها على أحرّ من الجمر؛ حتى يؤكّد للشعب الإيراني أنّ هذه المظاهرات تحرّكها أجهزة المخابرات الأمريكية والإقليمية، من أجل زعزعة الاستقرار في هذا البلد. وبالفعل؛ أسهمت تغريدات ترامب المتتالية في وقف هذه المُظاهرات.

وأما الانتصار الثاني: فهو الانسحاب من الاتفاق النووي. إنَّ التيار المتشدد في إيران كان معارضا لهذا الاتفاق منذ البداية، وفي مقدمته الحرس الثوري، وبعد إقرار مجلس الأمن الدولي الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى؛ نقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري قوله: "إن قرار مجلس الأمن الدولي الذي أقر الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى غير مقبول، مؤكدًا أنَّ أي قرار يحدّ من قدرات إيران العسكرية والتسليحية فاقد للصلاحية"، (الجزيرة نت، في 20 /7/2015)، وهذا التصريح تكرر كثيراً في إيران من شخصيات عدة في التيار المحافظ.

ويرجع اعتراض التيار المحافظ في إيران على هذا الاتفاق إلى أسباب مختلفة، منها: عدم ثقته بالولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب سجلّها العدائي الطويل ضد إيران. تقول الباحثة فاطمة الصماد، في كتابها المهم "التيارات السياسية في إيران" ص 73: إن هذا التيار "يرفض أي محاولة للاتصال المباشر أو غير المباشر بالولايات المتحدة الأمريكية، ويمارس نقدا صريحاً لمحاولات البعض فتح باب الحوار معها، ويرى أن خط الإمام (الخميني) لا ينسجم مع خط التفاوض معها؛ لأنها عدو الثورة الإسلامية رقم واحد، ولن تتوقف عن نسج المؤامرات ضد الجمهورية الإسلامية". فالإيرانيون لا ينسون كيف ساعدت الولايات المتحدة على الانقلاب على حكم الزعيم الوطني محمد مصدق سنة 1953، عن طريق الجنرال فضل الله زاهدي؛ مما مهّد لعودة الشاه محمد رضا بهلوي إلى السلطة مجددًا، بعد أن فرّ خارج البلاد، ولا ينسون الحصار الأمريكي على هذا البلد، منذ اقتحام السفارة الأمريكية في طهران سنة 1979، من قبل متظاهرين ثوريين إيرانيين، ولا ينسون محاولة التدخل العسكري في إيران سنة 1980، وهي العملية الفاشلة التي نفّذتها القوات الأمريكية في 25 إبريل 1980؛ لتحرير رهائن أمريكيين في السفارة الأميركية بطهران، لكنها باءت بالفشل، وأدّت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أمريكيين، وكذلك لا ينسى الإيرانيون ما حدث في الثالث من يوليو عام 1988، عندما أطلقت سفينة حربية أمريكية صاروخين باتجاه طائرة إيرباص رقم "إيه 300" التابعة للخطوط الجوية الإيرانية بينما كانت متجهة إلى دبي؛ مما أدى إلى سقوطها ومقتل جميع ركابها. ولذلك وأسباب أخرى راهن التيار المتشدد على فشل هذا الاتفاق، وها هي الأيام تثبت مجددا أن رهان هذا التيار يتحقق، وأثبتت الولايات المتحدة مرة أخرى أنَّها لا تملك أي مصداقية لدى الشعب الإيراني. ومع ذلك؛ يطرح الرئيس ترامب إمكانية عقد اتفاقية أخرى، ويُريد من المسؤولين الإيرانيين والمجتمع الدولي أن يُصدّق ذلك، يصدق أن ترامب جاد في دعوته وهو الذي مزَّق اتفاقية موقعة من ست دول كبرى في العالم ومصدقة من مجلس الأمن الدولي، فهل يُحافظ على اتفاقية أخرى وهو الذي مزق عدة اتفاقيات دولية حتى الآن ولم يعترف بها؟ بل هل ما زال "أصدقاء أمريكا" في المنطقة يراهنون على وعود ترامب لهم بالحماية من "التهديدات الإيرانية"؟ ألا يدرك هؤلاء أن سيد البيت الأبيض لا يهمه سوى أموال الخليج فقط، لا أقل ولا أكثر. فمنذ أن أتى هذا الرجل إلى السلطة وهو لا يتحدث سوى عن المليارات التي يجب على دول المنطقة أن تدفعها للولايات المتحدة؛ نظير "الحماية الأمريكية" لها، فهل هناك من يثق في الولايات المتحدة ووعودها بعد اليوم؟