الظاهرة عطشى.. ألا من مغيث؟!

حمد بن سالم العلوي

إنّ التواجد في العُلا يكسب شهرة وسبقا، ولكن للشهرة قيمة وقيم كثيرة قد تكون مكلفة ومتعبة أحياناً، فحال الأرض كحال البشر، ومحافظة الظاهرة التي نالت أسمها من كونها على ظهر سلسلة جبال الحجر الغربي، فهذا الظهور أو البروز في ذلك المكان، جعل الماء يذهب عنها بعيداً بفعل الجاذبية الأرضية، فإمّا تسرّب تحت الأرض إلى رمال الربع الخالي، أو فاضت به الجبال باتجاه ساحل الباطنة، والذي زاد المشقة على المشقة، ليس بضعف الأمطار، فهذه الجبال تحصل على النصيب الأكبر منها، فالمغيث ينزل القطر بوفرة كرم ومنة منه، ويمسك الغيث حكمة منه كذلك هذا لمن يعتبر، ويحثُّ بني الإنسان على التفكّر والتبصر، فلو أننا أكرمنا قطر السماء بمجالس ومحابس من السدود والحيل، لما عطش البشر ولا الحيوان والشجر، ولكن هيهات أن نستخدم الوسائل التي هدانا الله إليها، لنلزم الضيف الكريم بالمكوث في أحضان الوديان والجبال الرواسي، فقصة ملك مصر مع سيدنا "يوسف" عليه السلام، لم تكن قصة تروى للتسالي من هول الدهر.

إنّ الأحلام في قصص القرآن، كحلم الملك بالبقرات السبع السمان والعجاف، إنما توجيه رباني بالتخطيط للحياة، فلا تترك الأمور للقدر وضربة الحظ، فنحن لدينا الأمطار الكثيرة، والجبال الكبيرة وهي خزائن الماء، فكانت تكفي حاجة الناس، يوم كان الاستهلاك قليلا ومُقتراً، ولكن التطور الهائل الذي طرأ على أرجاء البلاد، وزيادة عدد السكان، فإنهما احتاجا إلى مواكبة من الحكومة، وهي حاملة لراية التنمية، والداعمة للتقدم والتطور، فإما أن يترك الناس وشأنهم، اعتماداً على مقولة واحدة ليس لدينا ماء، فهو عذر لا يتوافق وحاجة الناس في هذا الدهر، فالبحر الذي ينضح بجوارنا، والمشاريع العملاقة المقامة لتحلية المياه يجب أن تستغل، وكذلك قماط المطر الذي سبقت الإشارة إليه في مقالة سابقة، فلم نر لذلك التذكير أثراً إلى اليوم، ولما كان الماء شريان الحياة، فلا يجزي الاعتذار للناس، وذلك بحجة جفاف الآبار بسبب ضعف المطر، فإذا الدولة تجد ضعف المطر علة في حل مشاكل الماء للناس، فكأن في ذلك عجز وضعف في التدبُّر، وفيه دعوة مبطنة للسكان بالهجرة من مناطقهم، وذلك إلى حيث يوجد الماء أكثر فأكثر، فهذا عذر كمن فسر الماء بالماء بعد جهد منقطع النظير.

إذن حالة الظاهرة اليوم من الجفاف وشح المياه، كحالة الشاعر أبى فراس الحمداني، الذي أضناه الشوق إلى الوطن والأحبة وشبه البعد كتوقف المطر عن الأرض الجدباء، إذ قال:( إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى** وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ** تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي** إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُوالفِكْرُ** معللتي بالوصلِ، والموتُ دونهُ** إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!) فالظاهرة وربما غيرها من المحافظات، تعيش نفس الحالة لتأخر قطر المطر على الأرض، وبهذا الوضع نظهر عجزنا عن التصرف بتخطيط كالذي علمنا إياه سيدنا يوسف عليه السلام، فلا عتب إذن على القدر، إذ نحن لا نعمل بالحذر، وعدم التدخل لتطويع الطبيعة التي أهداها الله للبشر، فالأوائل ورغم ضعف الوسيلة، إلا أنّهم شقوا الأفلاج تحت باطن الأرض، وساروا بها عشرات الكيلومترات، ونحن اليوم نعيش تطوراً وتقدماً مهولاً، ومع ذلك نعجز عن استخدام الوسائل التي صنعها غيرنا، ولكن يتم توفيرها بالمال اليسير مقارنة مع فوائدها العظماء.

لقد هالني حالة الناس في الظاهرة، فأحد الناس بعدما جهز البيت الذي يبنيه، ذهب يطلب ماء، فأعتذر له بالقول ليس لدينا ماء، وطلبك سيكون في الانتظار، وكذلك قيل لي إنّ صهريج الماء الذي سعته 600 جالون يعرض بمبلغ عشرين ريال، بعدما كان بثلاثة وخمسة ريالات، فمن أين للفقير أن يوفر هذا المبلغ لشراء الماء، وذلك على مدى أربع مرات في الشهر كحد أدنى؟! وهل يُرد هذا الأمر إلى شح المطر؟ وهل للمطر مواقيت معينة حتى يتدرج الإنسان في استهلاك الماء؟! وهل سنعترف بضعف التخطيط وضعف التنفيذ أيضاً؟ أم نترك للأقدر أن تنفذ حكمها فينا؟! ونظل نردد قول الإمام الشافعي:(دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ** وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ).

إنّ الأمور لا تترك للتقادير، وإلا ما زرع سكان الجبل الأخضر زرعة واحدة، لأنّ التقادير أوجدتهم في هضبة جبلية صعبة التضاريس، فهم من سطحاها ودرّجها وطوعها للزراعة، فإن لم يجدوا ماء بعد الجهود التي قاموا بها، فهنا يصبح الأمر خارج قدرتهم المحدودة، إذن لا عذر أن يترك الناس في شقاء بسبب ضعف المياه، وكذلك ضعف الإدارة.. وهنا نذّكر بقول القائد المظفر: إنّ الإنسان العُماني، هو محور التنمية وهدفها، أم نحتاج لمن يفسّر لنا معنى هذا القول أيّها الأعزاء، حفظ الله جلالة السلطان وأمد في عمره، إنّه سميع مجيب الدعاء، فلا تعكروا أيّها المسؤولون مسمعه بشكوى الناس بالضرورات الملحة، وخاصة شكوى العطش.