نكبة 48 ونقل السفارة الأمريكية!

عبد الله العليان

في هذا العام وبالتحديد في هذا الشهر يمر سبعون عامًا على نكبة 1948، الذي احتلت فيها أغلب الأراضي الفلسطينية، ثم استكملت بقية الأراضي الفلسطينية بعد نكسة 1967 بما فيها مدينة القدس التي منها المسجد الأقصى، وبقية الأراضي العربية المحتلة بعد هذه الحرب، لكن لماذا تم اختيار هذا التوقيت لنقل السفارة الأمريكية للقدس؟ فاليمين الإسرائيلي الحاكم في إسرائيل، والمحافظون الجمهوريون في سدة الحكم في الولايات المتحدة، تلاقت الأهداف والمضامين المشتركة، في أن لا مجال ولا وقت للتردد لمراعاة السلطة الفلسطينية، أو الدول العربية المعنية بالقدس ـ كما كانت قديما ـ فلا توجد فرصة أفضل مما هي عليه  الآن لتنفيذ وفرض الأمر الواقع على القصية الفلسطينية، حيث العالم العربي يعيش الخلافات والصراعات والتراجعات في المواقف العربية عموماً من القضية الفلسطينية، وهذا ما جعل الظروف كما يرونها مواتية، بل ومشجعة لتمرير واقع الاحتلال لمدينة القدس خصوصاً، وكل الأراضي العربية المحتلة، والأهم في هذا الأمر وربما إحدى النقاط التي ساهمت مساهمة كبيرة في تراجع الأهمية للقضية الفلسطينية، على المستوى العربي والدولي، الخلاف الفلسطيني/ الفلسطيني الذي لاشك أنّه  ساهم في هذا التراجع للحق العربي الفلسطيني، وتردي الأوضاع العربية الراهنة التي تزداد أزماتها على كل المستويات، وهو ما جعل القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس أمراً واقعا ومناسباً في هذا الظرف، بعد ترددها لعقود طويلة لكل من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، بنقل السفارة، والإشكالية الكبيرة أنّ السلطة الفلسطينية صدقّت الوعود الأمريكية لسنوات طويلة، بحل الدولتين، أو ما أسماه جورج بوش الابن بـ (دولة فلسطينية قابلة للحياة)، وهذه الوعود أو التطمينات الأمريكية للفلسطينية، أشبه كما يقول بـ (بالمخدر الكاذب)، الذي يجعله يعيش الأوهام، ويصدقها أنّها صحيحة، مع أنّها ليست كذلك، ويذكرنا هذا أيضًا، بالكذبة التي قالها جحا (الضاحك المضحك)، الذي كما تقول القصة "أنّه أطلق من ذاته كذبة وأشاعها بين الناس في بلدته، أنّ هناك وليمة يتم تجهيزها في مدينة قريبة، وقالها للناس في البلدة، فصدق الكثيرين تلك الكذبة، فجعل الناس تتراكض إلى الوليمة، فاستغرب (جحا) من هذا الزحف إلى الوليمة مع أنّها كذبة يعرفها، فقال جحا في نفسه (لعل هناك وليمة بحق)، فذهب هو راكضا أيضا مصدقا نفسه أنّها وليمة بالفعل!

والتناقضات الأمريكية والالتفاف على القرارات الدولية، واضحة لكل متابع، مع أنّها من الدول التي صاغت ميثاق المنظمة الدولية، وهي التي لا تلتف أحياناً على هذه القرارات، إلا إذا توافقت مع سياساتها ومصالحها السياسية والعسكرية، كما حدث مع العراق قبل 2003، عندما أصرت على الحرب، مع أنّ العراق التزم ما قررته الأمم المتحدة بخصوص تفتيش البرنامج النووي العراقي وعدم وجود أسلحة نووية، واعترفت الولايات المتحدة بعد ذلك أنّ ما أعلنته عن وجود أسلحة نووية قبل الحرب غير صحيحة، ومرّت  مرور الكرام على العالم مع عدم صحتها، وفي عام 1991، صوّتت الولايات المتحدة  لصالح قرار الأمم المتحدة رقم 694 والذي أكد أنّ "كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، بما في ذلك القدس" لكن هذا الموقف تم سحبه وتجاوزه، كما سحبت الكثير من القرارات، وأطيح بها تماما، والأمر الذي جرى الآن من خلال اعتبار مدينة القدس إسرائيلية كاملة لليهود وعاصمة أبدية، وهذا بلا شك انتهاك كبير للقانون الدولي وللقرارات الدولية، التي صدرت بالانسحاب من الأراضي العربية والفلسطينية التي احتلت عام 1967، بما فيها مدينة القدس العربية التي كانت قبل حرب 67 تحت الوصاية الأردنية.

والإشكال الكبير الذي تعانيه القضية الفلسطينية، أنّها وضعت الولايات المتحدة وسيطاً في حل هذه القضية، مع أنّ الولايات المتحدة موقفها واضح في تأييد إسرائيل في كل شيء، وهذا يجعلها حكما وخصما في نفس الوقت، مما يخل بمبدأ الحياد الذي يفترض بالوسيط الدولي، والانحياز الأمريكي واضح ومعلن ومندفع تجاه تأييد المواقف الإسرائيلية، ومنها المواقف الثابتة في وقف القرارات الدولية التي تدين إسرائيل متمثلا في استخدام (حق الفيتو) لإسقاط قرارات الإدانة في مجلس الأمن، حتى في القضايا الإنسانية أحياناً، وهذا بلاشك يجعل الحلول التي يطرحها الوسيط غير مجدية ولا ناجحة، بل ثابتة مع الطرف الإسرائيلي، فكيف تصدق السلطة الفلسطينية هذه الوعود والتطمينات التي مرت عليها ما يقارب ثلاثة عقود؟ وانتهت بسحب قرارها اعتبار القدس أرضا محتلة، وأقامت فيها سفارتها أمس الأول، دون أن تبالي بكل الانتقادات التي قيلت في نقل هذه السفارة.

لكن مع كل الانتقادات التي وجهّت للولايات المتحدة، وستوجّه كثيرا بعد نقل السفارة، يظل الخلاف الفلسطيني/ الفلسطيني إحدى نتائج هذا الذي يجري الآن، فالخلافات والصراعات والاقتتال في بعض الأحيان، ساهم في استفادة إسرائيل وفي إهمال القضية الفلسطينية، وحتى وإن كانت هناك خلافات أو توجهات فكرية، لكن يجب الالتفاف حول القضية الفلسطينية، وهو إنهاء الاحتلال الجاثم على الأرض التي احتلها بالقوة، وما يزال يستخدم القوة لفرض واقع جديد على أرض ليست له، فلماذا الخلافات إذن؟ ولماذا يتم يجري التنسيق مع المحتل؟ وإسرائيل كما نعرف جميعاً بها أيضا أحزاب وتيارات فكرية يمينية، ويسارية، وليبرالية، وقومية مختلفة في الكثير من السياسات، لكنهم متحدون في حق إسرائيل في الاحتلال، وفي التمسك بهذا الحق التاريخي ـ كما يقولون ـ ولم نسمع منهم خروجا عن هذا الحق، عدا بعض الأصوات القليلة التي تتحدث عن الحق الفلسطيني ضمن الدولة اليهودية أو حل الدولتين، فلم نسمع صراعات، ولا اقتتال بين هذه التيارات، بينما أصحاب الحق في صراعات وخلافات دائمة، مع أنّهم أصحاب الحق الذي تعرفه كل الإنسانية.

لذلك على الفلسطينيين أن يراجعوا مواقفهم ويتفقوا على أنّ الحق الذي يرونه مثل عين الشمس، لن يتحقق لهم بسهولة، إذا بقوا في هذه الصراعات والخلافات، بينما تجتز الأرض وتنتهك، وهم في خلافاتهم الدائمة مستمرون.