شؤون بيئية عُمانية (1- 4)

 

علي بن سالم كفيتان

البيئة في سلطنتنا الحبيبة تستمد قوتها الرئيسة من الحرص السامي لجلالة السلطان – حفظه الله ورعاه – على حماية كل مفردات البيئة العُمانية بما لا يتنافر مع خط التنمية الشاملة في البلاد، وذلك من خلال رسم قواعد مستدامة لمسارات البناء والتنمية بحيث تضع في الحسبان جميع المؤشرات البيئية ومدى تأثيرها على حياة الإنسان على الأمدين القريب والبعيد معاً؛ والحرص على إيجاد معالجات ناجعة لأي أخطاء صاحبت الانشغال العميق ببناء الوطن فمهما كانت التجاوزات تظل هناك معالجات ممكنة قادرة على استرجاع بعض النظم البيئية المتأثرة إذا ما تولّدت القناعة الصادقة لإيجاد الحلول لدى أطراف المعادلة الرئيسين وهم المجتمع المحلي، والسلطات البيئية، ومؤسسات المجتمع المدني.

هذا المقال الاستهلالي يحتم علينا الأمر التعريج على أحد أهم المقومات التي تمثل القوة الدافعة الأولى للتفاؤل وهو طبيعة وكينونة المجتمع المحلي في السلطنة حيث نجد الارتباط الأزلي بين الانسان العُماني وبيئته الطبيعية مهما بلغ غناها أو فقرها فقد بينت الدلائل بأن هذا الإنسان قادر على تطويع حاجاته ومتطلباته مع ما تجود به بيئته من مقومات وفي ذات الوقت أستطاع أن يوجد السبل الكفيلة بالحافظ على ثرواته البيئية وأن يجعلها مستدامة بفضل من الله سبحانه وتعالى ومن ثم بحسن التدبير والاستخدام الرشيد.

وهناك الكثير من الأدلة والشواهد التي يمكن ذكرها في هذا المجال فالعُمانيون هم من شق الأفلاج وجروا قنواتها على حواف الجبال الشاهقة والأودية السحيقة وهم كذلك من جلب التربة الخصبة من بطون الأودية على ظهور دوابهم إلى رؤوس الجبال وشيدوا نظام المدرجات الزراعية فأسسوا لأنفسهم نظاما زراعياً فريداً استطاعوا من خلاله البقاء في أصعب الظروف المناخية برداً وحراً ووعورةً وأصبحوا ينتجون ويبيعون ما تجود به نظمهم البيئية وكد أيديهم الطاهرة. وغير بعيد عن ذلك نجد ما يعرف بنظام الحمى أو (الحمية) الذي طبقه العُمانيون منذ غابر الأزمان من خلال الحفاظ على مناطق طبيعية بعينها وعدم الرعي فيها أو استثمارها لأي غرض كان بهدف خلق توازن بيئي في مناطقهم فهم يؤمنون أن الإبقاء على مناطق مزدهرة بيئياً يمنحهم ميزات غير مباشرة أو غير مرئية في حياتهم اليومية مثل تلطيف الجو، واستجلاب الأمطار، وتقليل التعرية وانجراف التربة وهم بذلك استشعروا مبكراً ما يعرف اليوم بتبعات تغير المناخ العالمي على المجتمع البشري ولا شك بأنّهم وعبر إرساء نظام الحمى يعون أهمية الجانب الجمالي والنفسي من خلال الإبقاء على مناطق بعينها كما خلقها الله سبحانه وتعالى للراحة والاستجمام والالهام الإنساني.

لقد منح جلالة السلطان – حفظه الله ورعاه – أهمية بالغة للحفاظ على البيئة العُمانية سواء أكانت جبلية أو ساحلية أو صحراوية وجعلها ضمن أولويات الدولة الرئيسية فقد أمر جلالته حفظه الله في بداية سبعينيات القران الماضي ومع الخطوات الأولى للنهضة العُمانية المباركة بإنشاء مكتب مستشار جلالة السلطان لحفظ البيئة ليكون المعين الأول لكل الجهات التي طلب منها أن تعمل على الأرض العُمانية لإيصال التنمية للمواطن العُماني أينما وجد على تراب الوطن وصاحبة تلك الحقبة الحاجة الملحة لشق الطرق، وبناء المدارس، وحفر أبار المياه وغيرها من الأعمال في ملحمة القائد والشعب فكان لمكتب مستشار جلالة السلطان لحفظ البيئة الدور الرئيس والمحوري لدراسة المقومات البيئية للسلطنة ورفد الجهات المعنية التي تعمل ليل نهار بالاستشارات البيئية اللازمة. كما أشرف المكتب على رسم التصورات الأولى للمناطق المقترحة للحماية في مختلف مناطق السلطنة بالتعاون الحثيث مع المنظمات العالمية ذات الصلة مثل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) وغيرها من الجهات المعنية بالشأن البيئي الإقليمي والدولي- وللموضوع بقية بإذن الله تعالى في المقالات القادمة-.

حفظ الله عُمان وحفظ سلطانها وشعبها الوفي المعطاء وحفظ لنا بيئتنا العُمانية خالية من كل المنغصات.

alikafetan@gmail.com