شاخت الأبدان... "فيا ليت الشباب يعود يوما"


د. فوزية البدواويّة – سلطنة عمان


يقول أبو العتاهية:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني  ..............  فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ  .............. نَعاهُا الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً ........... كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً ....................... فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ
علامات النحول الظاهرة على أجسادهم. تلك التجاعيد التي تغطّي وجوههم. وعروق اليد البارزة. جميعها علاماتٌ للتقدم في السن تبُثُّ في نفس من يشاهدها الشفقة والرحمة. تلك النظرة التي يكرهها المسن, ويشعر بمدى ضعفه بعدما كان شابا يافعا قويا. إن أكثر ما يؤلم المسنّ هو المقارنة  بالحال التي كان عليها وقت الشباب من قوة جسمية وعقلية وغيره وبالحال التي أصبح عليها. وعندما يبكي شاعر ذو مكانة على مرحلة الشباب التي ولّت, فلا يجب علينا أن نستبعد الوضع النفسي السيء الذي يؤول إليه المسنّ في مجتمعنا.
ولأن الإسلام أكرمهم, ووصّى بهم وحرص على توفير حياة كريمة لهم, فيجب علينا نحن أيضا أن نسير على شاكلته, ولقد قال الله تعالى في سورة الأنعام الآية 151 " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا", وهذه التوصية تبلغ أوجها في  المرحلة التي يشتد فيها عود الأبناء ويضعف فيها عود الآباء.
وبحسب ما ذُكر في كتاب مدخل إلى التربية الخاصة للأستاذ الدكتور عبد الواحد الكبيسي والأستاذ الدكتور صبري الحياني" بأن الخليفة عمر بن الخطاب كان يعامل المسنين معاملة خاصة فقد أُعفى المعمرين من دفع الجزية , وكان يصرف لهم من بيت مال المسلمين, وقد ظهر في أوروبا في القرن التاسع عشر اهتمامات بدراسة أحوال المسنين ومن بينها ما كتبه الفرنسي فلورنس عام 1830م حيث نشر كتابه عن المعمرين وتوزيعاتهم, وصنّف هذه المرحلة إلى مرحلتين عمرية. تمتد الأولى من 70 سنة إلى 85 وتمتد الثانية من 86 فما فوق".
وقد برز الاهتمام أوجه عندما تم تخصيص الأول من شهر أكتوبر لكل عام يوما عالميا لكبار السن, وهناك نوع خاص من الطب وهو يُدعى بطب المسنين, أو طب الشيخوخة وهو علم يهتم بدراسة كيفية التعامل مع المسنين وما هي التغيرات الفسيولوجية والنفسية التي تطرأ عليهم, وبالتالي كيفية التعامل معها. ولكنه من الصعب جدا تحديد الخصائص السلوكية للمسنين, وتصنيفها, ويرجع ذلك إلى التنوع في شخصياتهم والتي تشمل من أقصى درجات التفوق والنجاح إلى أقصى درجات الانهيار والتشتت .
وربما غاب عن ذهني أن أذكر تعريفا للمسن, وهو الشخص الذي تجاوز عمره الستين عاما تبعا لمنظمة الصحة العامة. أما أنا فلا أجد لهذا التصنيف ضرورة حيث ان العمر العقلي والبيولوجي هما الأساس في التصنيف ,فالبعض قد شاخت أعمارهم في حين أن قلوبهم وأرواحهم ما زالت شابّة. يرون لنا القصص والحكايات, ويُطلقون الضحكات والنكات. والحياة لديهم لا تساوي جناح بعوضة. هؤلاء بالفعل أكثر شبابا منّا. وكم أتمنى مرافقتهم وملازمة أحاديثهم المسلية.
 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك