أدب الطفل: وظيفته ووسائل تشجيعه 2-2


د. عامر العيسري – سلطنة عمان


إن الطفل أشد المخلوقات قابلة للتأثير والانفعال وحب الاستطلاع والرغبة في تحقيق الذات، وقد اهتم علماء النفس بحاجات الأطفال التي يمكن إشباعها عن طريق الأدب، و لأدب الأطفال غايات وأهداف متعددة، وفي ظل هذه الغايات تتعدد وظائف أدب الأطفال ، فمنها التربية الجمالية والوجدانية للطفل وذلك بتنمية التذوق الجمالي وتوجيهه توجيها سليما ، فتنمية الذوق الجمالي الأدبي لدى الطفل سلوك يمكن أن يمنح الأطفال فرصة لتوسيع مداركهم في الحياة حتى وهم صغار، لأن مزاولة الاستماع للأدب الجميل ، والتمتع به يورث حب الجمال، ويسمو بالذوق الأدبي، كما أنه يؤدى إلى تنمية الثروة اللغوية للأطفال في المفاهيم والألفاظ والمعاني والأساليب وتمكينهم من محاكاة ما يدرسون من الأدب بطريقة غير شعورية نتيجة لتأثرهم به، وللتذوق الأدبي صلته الوثيقة بالذوق السليم، وتكرار التذوق يكسب الطفل معايير ذوقية سليمة ، تنعكس على تصرفاته الأخرى، فنراه يقدر كل ما هو جيد ، ويهدف في عمله إلى الإجادة والإتقان، كما أن التذوق اللغوي والادبي يحقق للاطفال مجالات وافاقا اوسع في تعاملهم واحتكاكهم الاجتماعي والانساني ويعالج سلبيات الاطفال المتمثلة في انطوائهم وعزلتهم وارتباك مواقفهم وتخرجهم هذه القدرات اللغوية وتذوق الادب من اطار عيوبهم الشخصية والاجتماعية الى اطار اوسع من النشاط والحيوية والتعاون والاقبال على الحياة.
وكذلك يؤدي أدب الطفل وظيفة مهمة التربية الخلقية للأطفال من خلال تقديم الاشكال الأدبية التي تحمل قيما أخلاقية نبيلة ، و التربية اللغوية بزيادة الثروة اللغوية للطفل وتدريبه على سلامة النطق وطلاقة التعبير ، والتربية الانفعالية بتطهير نفس الطفل وإبعاده عن السلوك العدواني والعادات السيئة الضارة ، كما أن وظيفة أدب الأطفال الأساسية هي بناء إنسان المستقبل المخلص والمفكر المبدع القادر على التخطيط والتنفيذ، وعلى التصرف في مختلف المواقف والتعامل مع مختلف الظروف في ضوء التفكير العلمي المتزن والملائم له ولمجتمعه وامته والإنسانية كلها.
ومن خلال الأدب يستطيع الطفل أن يعيش أكثر من حياة وذلك من خلال قراءة سير وإنتاج الأدباء والعلماء والعظماء المبدعين؛ وبالتالي تتوافر لديه مجموعة كبيرة من الخبرات والتجارب التي عاشها أصحاب تلك السير التي تنطوي على العديد من القيم الرائعة من الرحمة والتعاطف والأمل والمثابرة والكفاح والحب والنجاح وغير ذلك ، ويمكن من خلال تذوق الأطفال للأدب نقلهم إلى عالمٍ آخر حقيقي أو وهمي وذلك بقراءة قصص واقعية أو خيالية، ويمكننا من خلال تلك القصص غرس بعض القيم والسلوكيات الحميدة المرغوبة التي تناسب عادات وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه الطفل، ولا ننسى في هذا الصدد أن ننوِّهَ إلى ضرورة تعليم الأطفال وتعويدهم القدرة على التفريق بين الواقعي والخيالي؛ حتى لا يعيش الأطفال في عالم من الوهم والخيال ثم يصطدم بالواقع بعد ذلك.
من هنا فن الاهتمام بأدب الأطفال وتنمية قدرات الأطفال على تذوق الأدب الجيد أصبح ضرورة حتمية تواجه الثقافة العالمية في ظل التطورات الاجتماعية والتكنولوجية التي يشهدها العالم حديثا، ولعل أبرز تلك التحديات هو تطور وسائل الاتصال الحديثة والتغير الطارئ على الوسائط الثقافية واختلاف التقنيات التي تخاطب الطفل.
ولأهمية أدب الأطفال هناك العديد من الوسائل و العناصر التي تلعب دورا بارزا في تشجيعه وتقديمه للأطفال منها:
- الأسرة: ويقع على عاتقها العبء الكبير في بناء شخصية الطفل ، وتربيته في مراحل نموه الأولى ، وتستطيع الأسرة تشجيع أدب الأطفال في البيت عن طريق سرد القصص للأطفال ، وإتاحة الفرصة لهم للمطالعة ، وتخصيص مكتبة لهم لهذا الغرض في المنزل ، بالإضافة إلى اصطحابهم إلى المكتبات العامة ومعارض الكتب ، وتوجيههم لاستماع البرامج الهادفة في الإذاعة والتلفزيون ومشاهدتها.
- رياض الأطفال والمدارس: فللمعلمين دور أساسي في تنشئة الاطفال الادبية عن طريق قص الحكايات، وتقديم الاناشيد المناسبة والمفيدة للأطفال، فالمدرسة مسؤولة عن بناء شخصية الطفل: تعلمه كيف يعيش ويتعامل مع الآخرين، ومن الوسائل التي يمكن أن يشجع بها أدب الطفل توفير مكتبة بها كتب ووسائل تثقيفية متنوعة، وتشجيع المطالعة عن طريق إقامة مسابقات بين الطلاب ، وتوفير مسرح للأنشطة الطلابية ، وتشجيع المواهب الادبية والفنية ، وتنظيم الرحلات والزيارات للمعارض والمكتبات العامة والنوادي.
- وسائل الإعلام: فللصحافة دور كبير في تشجيع أدب الطفل، كأن تخصص الصحف اليومية زاوية خاصة بالأطفال وإنتاجاتهم الادبية، أو تخصص مجلات دورية خاصة بشؤون الاطفال وأدبهم ، تستقبل انتاجاتهم الادبية وتشجعهم ، وكذلك وسائل الإعلام الأخرى من إذاعة وتلفزيون وغيرها من أهم وسائل تشجيع أدب الأطفال لما تقدمه من برامج للأطفال وعن الاطفال ، والتي تناسب أذواقهم وتنطق بلغتهم وتعالج قضاياهم .
- المكتبات العامة : فالمكتبة العامة إذا قامت بدورها الحقيقي كانت بمثابة مدرسة من نوع خاص ، تسهم بفاعلية في بناء شخصية الأطفال النفسية والسيكولوجية عن طريق تكوين جماعة أصدقاء المكتبة للأطفال ، وترغيبهم في الانتماء إليها ، وتنظيم المسابقات والندوات والمعارض لهم .
- المساجد: حيث يعد المسجد مركز إشعاع ثقافي، ومركز توعية للكبار والصغار على حد سواء، ومن هنا تبرز مسؤولية خطباء المساجد في معالجة القضايا التي تتعلق بأطفال الأمة ، ولا يغفل دور مكتبة المسجد في تنشئة الصغار والكبار وتثقيفهم ، هذا بالإضافة إلى ما يمكن ان يقام بالمساجد من حلقات علمية وتدريسية لهم .

 

 

 

 

 

 

 

 

أدب الطفل : تطوره عالميا وعربيا 1-3

أدب الأطفال قديم قدم الإنسان على حد التعبير ، وحديث حداثة القصة والأغنية ، التي تسمع اليوم في برامج الأطفال بالإذاعة المسموعة أو المرئية ، أو تخرج من أفواه المدرسين وتلاميذهم في صفوف الدراسة ، وعبر هذا القطاع الطويل من عمر الإنسان يسهم أدب الاطفال بنصيب وافر من نقل تراث البشرية وخبراتها من جيل إلى آخر ، فهو أقوى الدعامات في بناء الإنسان ، لذا فقد نشأ وتطور بحكم تطور الإنسان الحضاري ، خاصة وأن الكبار هم الذين ينتجونه ، بينما الصغار هم الذين يكتبون له الخلود .

أدب الأطفال العالمي :
إن أول ما ظهر أدب الأطفال بشكله الرسمي كان في فرنسا في القرن السابع عشر ، ولم يكن هذا الادب مألوفا بين الادباء ، بل كان الأدباء يترفعون عن الكتابة في هذا الادب ، حتى جاء الشاعر الفرنسي تشارلز بيرو عام 1697م وكتب قصصا للأطفال باسم مستعار ، وبعد أن لاحظ الإقبال الكبير عليها من قبل الاطفال كتب قصصا أخرى باسمه الحقيقي ، ثم تبعه في ذلك أديبات وأدباء فرنسيون ، وعلى رأسهم جان جاك روسو و  لافونتين ، وقد ظهرت أول صحيفة للأطفال في فرنسا عام 1747م تحت اسم صديق الأطفال.
وجاءت بعد فرنسا في الاهتمام بأدب الاطفال انجلترا ، فكانت اول كتابات أدبائها تهدف إلى الوعظ دون الاهتمام بنفسية الطفل وحاجاته ، ثم جاء بعد ذلك أدباء اهتموا بأدب الطفل تأليفا وترجمة ومنهم جون نيوبري صاحب أول مكتبة للأطفال في العالم ، و روبرت سامبر وماريا ادجوث و تشارلز لامب ، وكذلك لويس كاروز صاحب قصة أليس في بلاد العجائب.
وفي ألمانيا اشتهرت كتابات الأخوان يعقوب و وليم جريم ، وكانت قصصهم تعتمد على الخرافة والأسطورة ، وفي الدنمارك ظهر الكاتب المشهور هانز أندرسون الذي كتب للأطفال قصصا تساعدهم على تقبل الحياة ، ويعتبر رائدا لأدب الأطفال في أوروبا ، أما في إيطاليا فقد امتاز ادب الاطفال بارتباطه الوثيق بالواقع ، ومن أشهر القصص الواقعية قصة ( جيب في جهاز التلفزيون ) ، وفي روسيا نشرت أول مجموعة قصصية للأطفال بعنوان ( أساطير روسية ) ، ومن أشهر أدباء الاطفال في روسيا تولستوي و بوشكين .
كما ظهر أدب الاطفال في بلغاريا و بولندا وغيرها من الدول في العالم على أيدي أدباء كتبوا قصصا وأشعارا للأطفال ، وفي أمريكا بدأ أدب الطفل بقصص وحكايات عن البطولة والقوة ، ثم وصلوا بعد ذلك إلى مكانة في انتاج أدب الاطفال لم يصل إليها بلد آخر ؛ حيث بلغ عدد الناشرين لأدب الاطفال فيها عام 1930 م ( 410 ناشرين ) ، وفي اليابان اهتم أدباء الأطفال بالكتابة عن الحيوانات والطيور والأزهار ، ليبرزوا اهمية الطبيعة للإنسان وضرورة المحافظة عليها.
وهكذا تطور أدب الاطفال عالميا في القرن العشرين وازدهر بعد الحربين العالميتين ، وقد أسهم في ذلك التكنولوجيا الحديثة المتطورة في مجال الرسوم والطباعة وغيرها من الجوانب الفنية الحديثة.

أدب الأطفال العربي :
تمتد جذور أدب الأطفال في عالمنا العربي إلى مصر القديمة منذ آلاف السنين حيث كتبت أول كتب الأطفال على ورق البردي ، وكان محور أدب الأطفال آنذاك يدور حول الأساطير التي بنيت على القصص التي كانت تروى شفهيا في النوادي والبيوت .
إلى أن جاء الإسلام فظهرت القصص الدينية المتمثلة في سير الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وأعمالهم و كذلك قصص الأنبياء والأمم والشعوب السابقة التي أخبرنا بها القرآن الكريم ، كما أدت الفتوحات الإسلامية إلى دخول قصص أخرى : فارسية ويونانية وهندية ورومانية ، وكان معظمها أساطير وخرافات وقصصا عن الحيوانات ، ثم بدأت ترجمة قصص الآداب الأخرى مثل ( كليلة ودمنة ) و ( ألف ليلة وليلة ) وغيرها من الآداب القديمة .
وفي القرن السابع عشر ظهر أدب الأطفال متأثرا بالأدب الفرنسي ، ففي مصر ترجم رفاعة الطهطاوي قصصا فرنسية ، وكتب أحمد شوقي أشعار وقصصا شعرية على ألسنة الحيوانات ، ثم توالى الأدباء المصريون المهتمون بأدب الأطفال ، ومنهم علي فكري في كتابه ( مسامرات البنات ) ومحمد الهراوي في كتب ( سمير الأطفال ) ، وكامل كيلاني الذي أرسى دعائم أدب الأطفال في مصر خاصة وفي الدول العربية عامة ، وفي النصف الثاني من القرن العشرين تنافست دور النشر المصرية في نشر قصص الأطفال وأشعارهم بأبهى صورة من حيث الشكل والمضمون.
كما نشط بعد ذلك التأليف للأطفال في باقي الدول العربية مثل لبنان وسوريا والأردن والعراق وفلسطين ، فظهر عدد كبير من كتاب قصص الأطفال وشعرهم ، كما صدرت العديد من الصحف والمجلات العربية الخاصة بالأطفال.
وفي الخليج العربي بدأ ارتياد أدب الأطفال مؤخرا ، مع ملاحظة قلة الأقلام التي طرقت هذا المجال ، ففي البحرين ظهر بعض كتاب أدب الأطفال ومنهم عبدالقادر عقيل وفوزية رشيد وحمدة خميس ، وفي قطر أصدرت مجلتا سعد ونورة للأطفال ، كما ظهرت سلسلة المكتبة الثقافية للأطفال ، وفي الكويت برز من أدباء الأطفال مثل محمد الفائز ومحمد كعوش وعبدالمجيد وافي ، كما أصدرت مجلات خاصة بالأطفال مثل العربي الصغير وبراعم الإيمان ، وفي الإمارات صدرت مجلة ماجد ، للأطفال على نطاق واسع ومجلة الأذكياء ، بالإضافة إلى تخصيص زوايا في الصحف اليومية للأطفال ، وفي المملكة العربية السعودية ظهر أدباء وأديبات مثل محمد علوان و وفوزية أبو خالد و هند خليفة وشريفة الشملان ، وكتب في مسرح الأطفال عبدالرحمن المريخي وسعد الدوسري ، كما ظهرت مجلات للاطفال مثل مجلة احمد ومجلة باسم.
وأدب الأطفال في عمان شأنه في ذلك شأن شأن أدب الاطفال في معظم الاقطار العربية والخليجية ، نشأ أولا في أحضان أدب الكبار وامتزج به ، وبدأ أول ما بدأ شفويا يعتمد على الرواية للأدب والقصص الشعبية على ألسنة الاجداد والجدات ، أو في صورة أشعار تتوارثها الأجيال ، مثل حكايات الغواصين ومغامرات الهجرة والسفر وحكايات الشجاعة والبطولة وكذلك الالغاز والالعاب الشعبية التي كان لها دور في إثراء الادب وتذوقه لدى الاطفال وتنشئتهم وبناء شخصيتهم.
وظهر الاهتمام بالأطفال وأدبهم في السلطنة متمثلا في مجهودات بعض الوزارات المعنية بالطفل مثل وزارة الإعلام التي قدمت برامج للأطفال في الإذاعة والتلفزيون والصحف المحلية التي خصص صفحات وملاحق أسبوعية لأدب الاطفال مثل ملحق الشراع الصغير في صحيفة الوطن وملاحق وصفحات في صحيفتي عمان والشبيبة ، كما اصدرت مجلة الشرطة ملحق الشرطي الصغير ، كما اهتمت وزارة التراث القومي والثقافة بطباعة القصص والاشعار وكتب الامثال التراثية ، أما وزارة التربية والتعليم فاهتمت بمناهج الاطفال  من خلال اختيار الادب المناسب لهم وتشجيع المعلمين للكتبة للأطفال في مسابقة المعلمين السنوية .
ومن الادباء العمانيين الذين اهتموا بالكتابة للطفل الكاتبة سعيدة خاطر فيما كتبته من دواوين حوت أغاني واناشيد شعبية للأطفال ، والشاعر علي بن شنين الكحالي الذي أصدر له ديوانا للأطفال ، كما صدرت في عمان مجلة قناديل التي تبنتها وزارة التراث القومي والثقافة ثم توقفت ، وصدرت مجلة فتاة الإسلام التي نشرتها مؤسسة الضامري للنشر والتوزيع ، وكذلك من المجلات مجلة أيوب التي خصصتها مؤسسة العيسري للأطفال ، ومؤخرا صدرت مجلة مرشد للأطفال .
وقد خصصت جائزة السلطان قابوس للأدب محورا مهما يعنى بالكتابة للأطفال ، كما ظهر مؤخرا عدد من كتاب وكاتبات الأطفال في عمان مثل أمامة اللواتية و وفاء الشامسية و أزهار أحمد وغيرهم .
ولكن لا نزال في عمان والخليج العربي بل والدول العربية قاطبة بحاجة إلى تشجيع الكتابة في هذا المجال فأدب الأطفال مجال خصب وهذه المرحلة المهمة من حياة الإنسان بحاجة ماسة للاهتمام من خلال تشجيع الكتابة للأطفال .


د. عامر بن محمد بن عامر العيسري
Sebawaih2000@hotmail.fr

 

 

 

 

 

 

 


أدب الطفل : أشكاله وفنونه 1-4

أدب الأطفال شأنه شأن أدب الكبار حيث تتعد أشكاله وفنونه فهناك أدب الأطفال المرئي والمسموع يتشوق الأطفال لرؤيته والاستماع إلى تفاصيله وخياله و كذلك الادب المكتوب الذي يستمتع الاطفال بقراءة أحداثه و تعبيراته ، وهناك المسرحية بمشاهدها وحواراتها والقصة بشخصياتها و تدرج أحداثها المشوقة ، وهناك الشعر والأنشودة التي تتراقص قلوب الأطفال بألحانها ومعانيها.
أما الادب المرئي فيشتمل على الكتب المصورة للأطفال حيث توجد بجانب كل صورة كلمة أو جملة قصيرة تعبر عنها ، ويضم أيضا المجلات والصحف الموجهة للأطفال و الأفلام الكرتونية والبرامج الطفلية التي تعبر من أفضل وسائل تثقيف الطفل وترفيهه ، أما الأدب المسموع فيدخل في أشكال الأدب المتعددة من قصة ومسرحية وشعر مما يسمعه الاطفال عبر الوسائل السمعية المختلفة ، ففنون أدب الأطفال مثل أدب الكبار في مسمياتها إلا أنها تختلف في أساليب التعبير بحيث تلائم القاموس اللغوي والمعرفي للأطفال.

والقصة شكل من أشكال أدب الأطفال الشائقة ، فيها جمال ومتعة ولها عشاقها من الأطفال الذين ينقلون في رحابها الفسيحة على جناح الخيال ، فيطوفون بعوالم بديعة فاتنة ، أو عجيبة مذهلة ، ويلتقون في أحداثها بأصناف من البشر والكائنات والشخصيات الحقيقية والخيالية ، ليجدوا فيها خبراتهم في الحياة ، يتلمسون فيها قيمهم وصفائهم وصفاتهم التي ستتشكل من خلالها ، والحكاية هي الأساس الأول لتكوين القصة وقد شاع استخدامها لتشد قلوب الأطفال ومسامعهم إليها ، تعتمد على حب الاستطلاع للأحداث و تسلسلها الزمني ، مشتملة على عناصر القصة المعروفة من فكرة وموضوع وحبكة وعقدة وشخصيات وأسلوب ومكان وزمان ، حيث تختلف مسمياتها حسب حجمها من أقصوصة إلى قصة قصيرة إلى قصة أو حكاية أو تكون أطول لتصل إلى مسمى الرواية ، وتختلف مسميات القصة كذلك من حيث موضوعها وطريقة تناولها ، فهناك قصص الخيال وقصص الحيوانات وقصص البطولة والأساطير التاريخية وقصص السير والقصص الشعبية وقصص المغامرات البوليسية و القصص الواقعية والفكاهية وغيرها.
وينبغي ان تكون القصة الطفلية ذات أسلوب مناسب لنمو الطفل و ميوله كوحاجاته ، وتحتوي على معلومات وقيم جديدة تجذب الطفل لمعرفتها وسبر أغوارها ، فتكون بسيطة سهلة بلغة فصحى ميسرة ، لكنها من النوع السهل الممتنع الممتع الذي يقدم جديدا ومفيدا للأطفال .
أما المسرحية فهي لون مثير من ألوان الادب ، ومع أنها في جوهرها قصة أو رواية إلا أنها ترتبط بأجواء المسرح وما يتصل به من مخرج وممثلين وجمهور ، فالطفل يرى في المسرح الأضواء اللامعة والمناظر الساطعة والأزياء البراقة والحياة التي تفيض حركة وحيوية ، لذا نجدهم يحبون التمثيل ويقلدون الممثلين في أسلوبهم وطريقة حركتهم ، وتتألف المسرحية كغيرها من فنون الأدب من عناصر أساسية في بنائها من موضوع وشخصيات وصراع وحركة وبناء درامي ـ وحوار وهو ما يميز المسرحية عن باقي فنون الادب الأخرى ، كما تتعدد أهداف المسرحية من تعليمية إلى ثقافية إلى فكاهية وأخلاقية ووطنية ، وقد ترمي المسرحية الطفلية لأكثر من هدف ، وينبغي أن تتلاءم المسرحية مع قدرات الأطفال من حيث اللغة والأسلوب والموضوعات المطروحة فيها ، كما ينبغي أن تسهم في إشباع حاجات الأطفال وبناء شخصياتهم ، فالمسرحية الناجحة تحرك تفكير الاطفال وعواطفهم ، وتثير مشاعرهم وانفعالاتهم ، بما تشتمل عليه من حركة وصراع وبناء درامي متكامل ، وحيوية متنامية تأسر وجدان الاطفال وتدفعهم إلى الاندماج مع مشاهد المسرحية وأحداثها.

والشعر يمثل مساحة كبيرة من الأدب المقدم للأطفال لكونه من أقرب الفنون إليهم واكثرها تأثيرا على نفوسهم ، فهو غذاء الروح وسمير القلب والعين ، ففيه ألحان وتنغيم والاطفال يميلون للتنغيم منذ نعومة أظافرهم ، وله أبعاد وأسس وخصائص تميزه عن باقي أنواع ادب الطفل ، فهو فن جميل من الألوان الأدبية التي تصور جوانب الحياة متسما بمقاييس خاصة تميزه عن النثر من موسيقى وأوزان وقوافي وإيقاعات قد تكون واضحة كما في الشعر التقليدي وقد تكون هادئة كما في الشعر الحديث ، ويتميز شعر الأطفال بتطابق الكلمات العذبة التي يرددها الطفل ويطرب لسماعها ، وهو يسهم في نمو الطفل العقلي والنفسي والاجتماعي والعاطفي والأخلاقي ، إنه صيغة أدبية متميزة يجد الاطفال أنفسهم من خلالها يحلقون في الخيال متجاوزين الزمان والمكان والمسافات ، يقول الناقد والشاعر الكوبي  ( اليزيو دييجو ) : لكي يحقق شعر الأطفال هدفه يجب أن يكون من نوعية جيدة لأنه يسهم لإلى حد كبير في صنع جمال الطفولة ، كما يجب أن يكون غنيا بالخيال ليعمل على تنمية مخيلات الأطفال ، كما يقول الكاتب المسرحي الروسي سيرجي ميخالوف : إن وظيفة شعر الأطفال تتمثل في الإسهام بتربية الأجيال الناشئة تربية إيجابية صحيحة ، وجعل الاطفال سعيدين وفاعلين واعضاء نافعين في أسرهم ومجتمعهم وفي المنظومة الإنسانية كافة.

إن الدخول إلى عالم الأطفال أمر يحتاج إلى هوية وجواز مرور لا يحمله إلا عدد قليل من الكتاب والشعراء ، وكما يقول الناقد الأمريكي جيمس فريزر : إن شعر الأطفال الجيد كالشمس التي تعطي الدفء والألوان وكالبستان الذي يمنح الزهر والثمر ، إنه نجوم وأقمار تملأ قلوب الاطفال بالفرح في هذه الحياة وترشد عقولهم إلى القيم الإنسانية النبيلة وتحبب إلى نفوسهم الموسيقى والانغام ،  لهذا فالشعر الموجه للأطفال يحتاج إلى توفر العديد من الخصائص الفنية التي لا غنى عنها لكي تضمن انجذاب الاطفال إليها وتحقق فائدتها والغايات المنشودة منها ، فلا بد ان يكون شعرا هادفا توافر فيه القيم الاجتماعية او الوطنية او الانسانية ، وأن يحتوي على المواقف الاكثر واقعية في حياة الاطفال ، وتتوفر فيه عوامل التشويق والخيال والحرمة والموسيقى ، وان يقدم بأسلوب واضح بسيط ليسهل دخوله في عقول الاطفال وقلوبهم وعواطفهم ، كما ينبغي اختيار الوعاء اللغوي المناسب لقاموس الطفل وقدراته الإدراكية ، والعناية بالفكرة وحسن اختيار الموضوع المناسب لحاجات الاطفال وميولهم ، والتركيز على قضية واحدة ، والمباشرة في الطرح والدقة في المعالجة والقصر في النصوص ، والاعتماد على التكرار والحركة والمعاني الحسية القريبة من متناول الاطفال ليسهل إدراك المعاني عندهم.

ويتخذ شعر الأطفال أنواعا وأشكالا متعددة ، وهذا عائد إلى طبيعة الشعر نفسه ، فهناك الشعر الملحمي والشعر الغنائي والشعر المسرحي والشعر التعليمي والشعر القصصي والاناشيد .
فاشعر الملحمي يعتمد على قصة شعرية قومية بطولية خارقة للمألوف يختلط فيها الخيال بالحقيقة والتاريخ بالأساطير ، بينما الشعر الغنائي يعتمد على الأغنية فيكون مصحوبا باللحن والحركة والإيقاع والوزن ، أما الشعر المسرحي فهو شعر درامي يصور الشخصيات ويحدد أبعادها ويعتمد على الأحداث الحواريه التي تقدم على خشبة المسرح ، والشعر التعليمي يصور الحقائق والحكم في أبيات يحولها إلى لوحات نابضة بالحياة لتقدم للأطفال المعلومات والمعارف بقالب شعري تصويري ، أما الشعر القصصي فيستخدم اللغة التعبيرية عن موضوعات متنوعة بشكل قصصي يعتمد على الموسيقى الهادئة واللغة السهلة ، وهو يراوح بين الإشارة القصصية والحكاية المكتملة ، ويغلب عليه استخدام الشخصيات الحيوانية المختلفة ، ثم الشخصيات الآدمية وفي مقدمتها الطفل ثم أفراد الأسرة القريبين منه ثم عناصر الطبيعة المختلفة من شمس وقمر ورياح ومطر وجبال وأنها وبحار ، أما الانشيد فهي لون شعري يتسم بالسهولة والبساطة وينظم بشكل يصلح للغناء الجماعي ، وهي محببة للأطفال يقبلون على حفظها والتغني بها.
من هنا ينبغي تشجيع شعر الاطفال المتنوع والمتسم بالخصائص الأساسية الملائمة لعالم الطفولة لكي نستطيع الوصول إلى الغايات التي نهدف إلى تحقيقها مما نقدمه للأطفال من نصوص ادبية وشعرية ، تقول شاعرة الأطفال الألمانية إيفاشتريت ماثر : إن لشعر الأطفال دورا جديا ومهما وجديا وإيجابيا في حياتنا اليومية ، ولابد أن يكون ذلك الدور في صالح الذين يعملون من أجل مستقبل أفضل لأطفال بلادهم وأطفال العالم .
د. عامر بن محمد بن عامر العيسري
Sebawaih2000@hotmail.fr

 

تعليق عبر الفيس بوك