المرأة التي قالت: (لا)


هاجر شوقي - مصر


لقد كانت تريد الطلاق؛ تريده مثلما كانت تريد الحب يوما ما، وبنفس قوة وحرارة الأحلام والأماني؛ ولكن زوجها قال لا وأصر عليها، كانت تدرك أن إحساسها بالأمر؛ ليس لأنها معلقة ( قد تريد الزواج مرة أخرى)؛ بل إن إحساسها كان معنويا ونفسيا فقط وبطريقة بحتة كانت كلمة (لا) هي ما يمضها وليس ما ينتج عنها.. توقفت طويلا أمام هذا الإحساس وسألت نفسها: لماذا
كانت تدرك السبب ولكنها عاجزة عن تفاديه أو الدوران حوله.. إنها عمّتها.. نعم عمتها التي لم تدرك أنه يمكن لطفلة صغيرة أن تعيش تجربة امراة في الزواج كاملة، وأن تشعر بنفس أحاسيسها وأن يدرك قلبها الألم بمعناه الناضج الواعي
لقد ماتت أمها التي كانت وحيدة، فاضطرت للحياة مع عمتها التي انجبت أربعة أبناء.. مات أكبرهم في سريره وهو في ال٢١ من عمره، وماتت الابنة التي تليه في حادث وهي في شهر العسل، وكانت ابنتها الثالثة قعيدة، وابنها الرابع هاجر إلى أمريكا منذ زمن طويل، ولكن أيضا لم تكن تلك هي المشكلة..
إن زوج عمتها كان يمثل لها القذارة النفسية.. إنه ضد الرجولة وضد المروءة وضد تحمل المسؤلية وضد العطاء وضد الحنان وضد الإنسانية.. إنه الإنسان الأول الذي تعلمت أن تكرهه بكل ما في كيانها من حياة.. إنها تتذكر ضربه لعمتها
فلم يكن ضربا مبرحا.. ربما هي دفعة أو رفسة تجعلها ترتطم بيد درج من الأدراج أو بالحائط
مصحوبة بسيل من الشتائم اللعينة التي تنهال عليها بسبب وبدون سبب أمام الجيران أو الأهل أو حتى الأطفال، وكانت عمتها تجابه كل ذلك بالصمت كانمت أكثر حساسية وذكاءً وقوية صبورة، ولكنها بالتأكيد لم تكن سعيدة، وكانت تفلت من فمها كلمات مثل: الزواج هو نهاية الحياة
ولكن الأهم أنها كانت تردد طويلا وكثيرا أنها تمنّت لو لم تكن أنثى أو خُلقت رجلا
والغريب أنها برغم كل تأثرها بعمتها لم تتمن أبدا أن تخلق رجلا مثلها .. لقد تعلمت فقط أن تقول: (لا) بوضوح
وتعلمت أنه من المستحيل أن تسمح لأحد بان يتعدى حدوده معها (فيما يخصها) حتى ولو كان أبوها أو أخوها
ولطالما سمع الجيران صراخها الذي يبلغ آخر الشارع صارخةً (أنا حرة) في وجه أخيها، ولم تكن تصرخ في وجه أبيها بالتأكيد ، ولكنها كانت تقول لا بكل ثقة آلاف المرات
وكانت ترى غضبا وشبه كراهية في عين أبيها، إلا أنها أيضا لم تتمن أن تصير رجلا، ولكن هذا الرجل جاء ليحبسها في الحجرة المظلمة التي كانت تبكي فيها عمتها، الحجرة المظلمة التي ستجعلها تكره أنوثتها
وتتمنى مثل عمتها لو خلقت رجلا.. كيف يمكنها أن تفهم هذا الرجل إنها تحتقره.. إنه ليس طفلا ليتصرف مثل الأطفال؛ إنه شخص حسبته يوما رجلا
ولكنها الآن تسأل نفسها كيف أحبته؟!
إنها لا تشعر بأي غضب من ربّها لأنه جعل أمرها تحت إمرة رجل
ولأنها تعرف أن الرجل يتصرف بشكل صحيح تماما، وكانت تدرك بمرارة أن الحب له كبرياء،، ومستحيل أن يحب شخص آخر بالقوة!!
بل إن من يحب حقا يجبره حبه علي الكبرياء، إنه لا يحب ولا يمتلك كرامة ولا رجولة،، فتصرفاته على هذا الأساس مفهومه، ولكنها تدرك الآن أنها لن تحصل علي حقها منه، إلا بالقوة ولو كانت قوة القانون، وهي ستستخدمها بشراسة
ولكنها ستبكي أبد الدهر دما على المرة الوحيدة التي قالت فيها (لا)،، فلم يؤبه لحريتها ولا لرأيها
وهذا علَّمها أن الاختيار الذي هو مناط الحرية قد يكون أخطر علي الإنسان من كل استسلام

 

تعليق عبر الفيس بوك