كيف تمسح ذاكرة شعب؟!

 

مسعود الحمداني

 (1)

الشعوب القوية تمسح ذاكرة الشعوب الضعيفة، بل وتمحوها من الوجود..

عملية تسمى بـ"الإحلال"، شعبٌ محل شعب.. تاريخٌ محل تاريخ..تراثٌ محل تراث.. وتنتهي المسألة!

هكذا بكل بساطة..

(2)

هناك من يملك المال ولا يملك التاريخ، وهناك من يملك التاريخ ولا يملك المال، المعادلتان متكاملتان.. هذا مكان هذا..

مالٌ مكان تاريخ، وتاريخٌ مكان مال.. وتنتهي المسألة..

(3)

فن التكامل فن لا تجيده إلا الدول الذكيّة التي تعمل من أجل صناعة تاريخ عظيم لها، يبدأ من حيث انتهى الآخر.. دون أن يمس بهويته، أو وجوده، ودون أن ينسلخ منه..أما مسألة محو الآخر.. فهي مسألة لا يقرها واقع التاريخ.. ولا تعترف بها الأخلاق والأعراف الدولية، ولا حتى البشرية.

(4)

حين وصل الرجل الأبيض إلى أمريكا.. حاول محو الهندي الأحمر وتاريخه وثقافته وذاكرته.. ولما لم يستطع عزله في "كانتونات" وترك له التاريخ بينما عمل "الأبيض" على بناء المستقبل.. أصبح هناك تياران: شعب يعيش على التاريخ، و"شعوب" تعيش على إنتاج الحاضر والمستقبل، كلاهما اختار طريقه.. وانتهت المسألة.

(5)

في فلسطين حين أنشأ الإسرائيليون كيانهم، كان الهدف الأعظم لهم هو محو الذاكرة الفلسطينية، ومسح تراثها وتاريخها، ولولا تمسك الفلسطينيين بتاريخهم، وفنونهم، وذاكرتهم الجمعية لانتهت القضية الفلسطينية..

 تاريخان متناقضان أحدهما صاحب المكان، والآخر محتل له..ورغم ذلك لن يبدأ التاريخ إلا حين تنتهي القضية.

(6)

لا يمكن لدولة أن تصنع تاريخها من خلال مسلسل، أو متحف، أو تزوير، أو قولبة المفاهيم وفركها وعجنها، ولكن بإمكانها صناعة المستقبل، والالتفات إلى حقائق الأرض، والبناء عليها، فمن ليس له ماضٍ، فلا حاضر ولا مستقبل له، لذا على الدول أن تعترف بالواقع القديم، لكي تسير وهي ملأى بالثقة والمحبة، واثقة الخطوة نحو الآتي والمستقبل، بدلاً من الالتفات والالتفاف على وقائع التاريخ، ومحاولة محو الذاكرة الشعبية، وإحلال ذاكرة جديدة لا تستند إلى واقع تاريخي، فلا عيب في أن تتداخل حضارتان، ولا ينقص قدر دولة علاقتها الأزلية مع دولة أخرى..هذا قدر الدول- ذات التاريخ والمصير المشترك- الذي لا يمكن فصله والهروب منه مهما حاولنا.

(8)

الكيانات الناضجة هي تلك التي تقرّ بالتاريخ، وتستشعره، وتعمل على استثماره كعنصر قوة، وانسجام وتآلف، لا كعناصر انفصال وخلاف، وهي تلك الكيانات التي تبدأ بصناعة ذاكرة حقيقية وشجاعة تعترف بالآخر، ولا تقصيه، وتقترب منه، ولا تنفر منه.. بهذه البساطة تصنع الشعوب ذاكرتها الجديدة، وتنفتح الدول على ماضيها، ومستقبلها، دون أن تكون بحاجة إلى أن تدس رأسها في التراب..

وعند ذلك- فقط- تنتهي المسألة.

 

 

Samawat2004@live.com