عذرا.. القلعة تحت الصيانة!

مصبح المقبالي

عندما تريد أن تبحث عن كنوز الماضي التليد، وعمق التاريخ، وتاريخ الأجداد، وحكايات الملوك والسلاطين، فما عليك إلا بشد الرحال والتوجه إلى قلعة صحار.

القلعة التي تحمل بين جنباتها عبق التاريخ، وتحكي أبراجها فصولا من البطولات التي سطرها العمانيون، وفي قاعاتها تختزن الأدبيات الأثرية، فيها استقبل عبد وجيفر ابني الجلندي ملكا عُمان، في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسولَه إلى عمان عمرو بن العاص فيها، وكما ذُكر بأن يوجد داخل القلعة برواز لرسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

القلعة التي كانت الحصن المنيع من هجمات الغزاة، كما أنها تكفلت بطرد الاحتلال البرتغالي في حكم اليعاربة بقوة وإرادة أبطالها العمانيين.

ومن داخلها، وعلى يد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، نشأت دولة البوسعيد، كما يوجد بها ضريح السيد ثويني بن سعيد بن سلطان، وبها الكثير من القطع الأثرية والنقوش التي تشير المعلومات إلى حضارة صحار قبل التاريخ، كما بداخلها بعض الآثار التي تدل على الوضع التجاري المزهر في عمان عامة، وصحار خاصة، في الماضي، كما أنها لا تخلو من الجوانب الأثرية والتاريخية ودور علاقات عُمان بالصين وتجارة النحاس، كما أن هناك كثيرًا من الشواهد التي تحكي تاريخ عُمان عامة وصحار خاصة منذ قديم الأزل.

كما كانت تُعقَد بها البرزة، والتي كثيرٌ من أبنائنا لا يعرف ما هي البرزة، ودورها السابق، وبها المتحف التاريخي الذي تم افتتاحه عام 1990.

كل هذه المعلومات التي استقيتها من هنا وهناك، شدتني لزيارة هذه القلعة، فقبل أربع سنوات استقللنا الحافلة أنا وطلابي من ولاية البريمي لزيارة ولاية صحار لمشاهدة المنجزات التاريخية والحضارية لهذه الولاية العريقة، خاصة هذه القلعة، وتوجهنا مباشرة لزيارة القلعة، فوجدنا حارسها الذي قال لنا "القلعة تحت الصيانة"، مع العلم أنني كنت أعلم منذ فترة أن القلعة تحت الصيانة، لكن ظننت أن الصيانة اكتملت.

كبر الأولاد؛ فمنهم من أنهى دراسته، والبعض الآخر على وشك الانتهاء، وطلبوا مني زيارة صحار، ولكن هذه المرة ذهبت قبل الرحلة للتأكد من انتهاء فترة الصيانة، فوجدت العبارة "عذرا.. القلعة تحت الصيانة"، فلم تتم الزيارة وأُلغيت.

في إجازة انتهاء الفصل الدراسي الأول لهذا العام، زارني زميل لي من نزوى؛ فكان ضمن برنامجه زيارة قلعة صحار، وبكل أسف قُلت له "القلعة تحت الصيانة"، والظاهر أن القائمين على القلعة وضعوا تلك العبارة في فترة الإجازة لكثرة الراغبين في زيارة القلعة.

بصراحة.. أمرٌ محزن، ويندى به الجبين، أن نمتلك مثل هذه القلعة وبها هذا الكم الهائل من المعلومات والشواهد التاريخية، والتي كانت مقصد المؤرخين والجغرافيين على مدى العصور، وأشادوا بأهميتها في كتبهم، إلا أنها الآن مغلقة منذ سنوات، وحرم الكثير منا لمعرفة خفايا هذا الصرح الشامخ بسبب الصيانة، في وقت نمتلك فيه الموارد المالية والقوى العاملة والمعدات الحديثة ومواد لو احتجنا لها تأتينا بسرعة ومن أي مكان في العالم.

هذه القلعة لو استُغلت لكانت مقصدا للسائحين من داخل وخارج السلطنة، كما أنها ستكون مقصدا لطلاب العلم والباحثين عن التاريخ والجغرافيا والهندسة.

تتمنَّى كثير من الدول أن يكون لديها ربع مبنى قلعة صحار وتاريخها، لعرفت كيف تستغلها في إقامة المهرجانات والاحتفالات، وتغنَّى بها الإعلام، وكانت لسان الجميع، وجُهزت لتكون مقصدا للسائحين والمهتمين بالتاريخ.

فهل يُعقل صيانة قلعة تأخذ هذه السنين؛ فهي بُنيت بأقل المواد والنذر اليسير من المال، وقلة الموارد، لكنها بُنيت بقوة وصلابة عقول العمانيين.. فإلى متى أيها المسؤول عن هذا الصرح العملاق تتحول "القلعة تحت الصيانة" إلى "القلعة ترحب بالزائرين"؟!

تعليق عبر الفيس بوك