العُمانيون يعصمون بلادهم من رياح السموم

حمد بن سالم العلوي

لم تتوقف ماكينة الهذر والكذب لعبيد المال عن عُمان، يوماً واحداً دون إساءة، فمنذ هطول خريف العرب عام 2011م على الأمة العربية، وأس الشر في العالم العربي، يعزفون على وتر التخريب وتفكيك الدول، وقد كان ذلك يجري بالسر قبل تلك الأحداث الغوغائية، فصار بعدها اللعب علناً، ودون مواربة من الله وخلقه، ولكن عُمان مُستمرة في سد نوافذها بالفولاذ القوي المتمثل في عقول الشعب العُماني الرصين، بحيث لا يُسمح بمرور نافثي العُقد إلى ظهرانينا، وإن كانوا هم لم يتركوا أي شاردة، أو واردة إلا وركبوها ووجهوها باتجاه عُمان، وقد فشلت مراميهم القذرة في أن تصيب أهدافها، وستظل تفشل بإذن الله الواحد الأحد.

فعُمان أيها الأشرار وأرباب الغدر والخيانة، وأصحاب المكر وأعمال السوء، قد حصَّنها الله ضد خبث المخبثين، وضرر الأفَّاكين وأفاعي الصحراء وعقارب الرمال، على مدى التاريخ والأزمان، فكانت سالمة من أذاهم وبطشهم الغدَّار، فهل علمتم كيف ذلك؟! لا لشيء إلا لأنَّ المكر السيئ لا يحيق إلا بأصحابه.

لقد فقد التعيس أبو المال كل قيم الأخلاق والإنسانية، وقيم الحفاظ على التاريخ والتراث والموروث الحضاري للأمة، وفقد النخوة والمروءة والشهامة، وأسقط حقوق الآخرين بنفسه من عرفه وقاموسه، وقد فقد قبل ذلك فضيلة البصر والبصيرة والعقل الراجح، لذلك كان على كل ذي لب وفطنة وكياسة، أن يعمل على إهماله وعدم النظر إليه، فالإعراض عن السفهاء والجاهلين أمر شرعي، لأنه لا يستطيع أن يضيرنا بشيء، طالما ظل حائطنا العالي يخلو من الزجاج الهش، فعلينا إذن السير إلى الأمام دون الالتفات إلى الخلف، أو النظر إلى الأسفل، لأن الأرض التي نسير عليها قوية وثابتة، وتخلو من الحفر والمطبات، فالواثق بالنفس دائماً يسير سير الملك الواثق الخطو، والعُمانيون يعرفون أهدافهم، ويعرفون مقصدهم النبيل الشريف، فهم لا يضمرون غلاً لأحد من خلق الله في الأرض، ولكن لا يستخفُّون بعدو مهما كان بسيطاً هيناً من حيث قوة التأثير، إلا أنهم سيكونون يداً واحدة على العدو من تلقاء أنفسهم، فنصيحة واجبة أقولها للذين لا يقرأون التاريخ، لأنهم لو قرأوا شيئاً من ذلك، ما حدَّثتهم أنفسهم بالإساءة إلى عُمان، صاحبة المجد والصولجان والعقل الحكيم.

إنَّ العزف النشاز من خلال مؤسسات دولية تقوم على كسب المال، وتحل الرشوة والاسترشاء بحسب خلقتهم وأخلاقهم، فقد وجدوا ضالتهم في أبي المال ذي البترودولار، فلا بأس لديهم إن سربوا تقارير مدفوعة الثمن سلفاً، بقصد الإساءة إلى عُمان لحثها على الدفع بتنافس مع المفسدين في الأرض، ولكن عُمان لا تسلك الدروب الهابطة إلى القاع، وهم في كلا الحالين يكسبون من الحطيط أبي المال الوضيع، فمرةً تسريبات في شكل نصائح بريئة من صندوق الكذب، وتارة أخرى تشكيكاً في الائتمان، وما علموا كنه الشعب العُماني، الذي يعد رأس ماله في وطنه وسلطانه، وليس في الدولار والذهب والفضة، وفي مرات متكررة يتكلمون عن الفساد وما أدراك بالفساد، وكأن عُمان قطعة من كوكب آخر تخلو من أخطاء البشر، ورغم ذلك فالفساد في عُمان لا يساوي مقدار فتيل في سراج، مقابل شعلة نار مهولة تطحن اقتصادات قارونية في دول قريبة، حيث يسري فيها قانون الغاب، وكما يحب ويريد أبو المال المفسد الفاسد، ومهما لونه بمكياج المال بالإعلام الضال، فيظلون يتربعون على عرش الفساد العالمي، والذي تجاوز الحدود والمسافات إلى بعض الدول المسماة بالعظيمة، والأيام ستكشف كثيراً من ذلك بمرور الوقت.

إن العمانيين العقلاء - وهم غالبية عظمى- صمام الأمان لعُمان، وقدوتهم سلطانهم الفذ الحكيم - حفظه الله وأبقاه - فهو الحصن الحصين ليس لعُمان وحدها، وإنما قدوة لكل ذي لب في هذا العالم الكبير، فهذه الأغلبية العظماء من الشعب العُماني، بيدها موازنة الأمور في البلاد، فكلما أتتهم شائعة ضالة تصدوا لها، ودفنوها في التراب، فليس المعروضات التراثية في دوار الحمراء، إلا واحدة من السهام التي يُراد بها الوقيعة بين الحكومة والمواطن، فصور تزين الدوار ببعض الخزفيات التي قام بها بعض المواطنين بكلفة قدرت بـ (400) ريال عُماني كتبرع منهم، وقد ساهمت فيها بلدية الولاية باليد العاملة، ولكنه صور على أن ذلك المشروع كلف الحكومة، ما قيمته ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف ريال عُماني، فصدَّقه بعض البسطاء، ونشروه على أنه واحدة من قصص الفساد، وهذا مثال بسيط على حجم الافتراءات التي تتعرض لها البلاد وباستمرار، وقد سبق لأحد المتخصصين وأن رصد إرسال تدخل من بعض بلاد أبي المال بدركة فاقت التفاعل الداخلي مع مثل هذه السخافات من الشائعات.

إن البعض يعتبون على عُمان أنها لا تتبعهم في  ضلالتهم، فأقول لهم حتى يقطعوا الشك باليقين، إن عُمان لم تتبع إلا رسول الله عليه سلام الله وصلاته، وخلفاءه الراشدين لقناعة أهلها بالحق والعدل، ولكن بعد ذلك ظلت تقود نفسها بنفسها ولا تتبع أحداً، ولقد ظلت عُمان محل استغراب الجميع على قوة صمودها عبر تاريخها البعيد، وما استطاعوا أن يبضوا في عضدها بشيء، فليعم هؤلاء الجهلاء المغرورون، أن المال لا يصنع أمجاداً أبداً ليس هم أهلها، فإنه قد سبقهم إلى عُمان أناس كثر يرغبون بالسلطة عليها، وكان أولهم الفرس بزمن بعيد قبل الإسلام، وذلك لشعورهم بالقوة وليس يدفعهم غرور المال، ولحق بهم مؤخراً الأمويون ثم العباسيون والبرتغاليون كذلك، وبعض الجور من الجوار بدعم بريطاني خبيث بداية، وجميعهم فشلوا وخابوا وذلوا، ومصير جهلة اليوم لن يكون أفضل حالاً عن سابقيهم، والسر في هذا الصمود والإطمئنان، ذلك التاريخ المشرف المجيد، ولأننا كعُمانيين لسنا أصحاب جور وغدر، وأن الله ناصر عباده الأوفياء المُخلصين.

وإن الرسول محمد بن عبدالله صل الله عليه وسلم، والذي قال عنه ربه إنه لا ينطق عن الهوى، فهو لم يزر عُمان في حياته بشخصه، ولكنه زارها بعقله ووحي ربه، فعرف أن أهل عُمان أهل خير وعدل وأخلاق، فأرسل إليهم رسولا ذا حنكة سياسية، ليُسلمهم رسالته التي تدعوهم للإسلام، وقد أرسله معلماً لأهل عُمان لا والياً عليهم، كما كان يفعل مع كافة الأقاليم، وكان يحكم عُمان وقتذاك ملكان، فكانا أقرب للشقاق منه الوفاق في الأمور المصيرية، ولكن من غرائب أهل عُمان، أنهم دخلوا في الإسلام طوعاً، وقد أثنى عليهم أبوبكر الصديق خليفة رسول الله، فعلهم بدخولهم الإسلام طوعاً، رغم قوتهم وبعد دارهم، وأنهم لم يرتدُّوا عن الإسلام، كما أرتد غيرهم من الأحياء القريبة لمركز الدعوة المُحمدية، بل كانوا له عوناً في محاربة أهل الردة، إذن من كان هذا تاريخه وسجاياه، فعلى الأشرار ألا يقربوا من حماه، وألا يغرّهم صمت الحكيم، فثورته تزلزل أركان المغرور بقوة المال، حفظ الله عُمان وسلطانها .. سلطان القلوب والعقول وشعبها الأبي الكريم.