حديث (الأنا) في "همس بين غيمتين"

سامي دياب كيلاني – شاعر وناقد مصري


رحمة بن مدربل شاعرة جزائرية عضو اتحاد الكتاب الجزائريين ومن مواليد ٢٧ نوفمبر ١٩٨٨ خريجة كلية الإعلام والاتصال، وحاصلة على ليسانس كلاسيكى تخصص علاقات عامة، وشهادة فى التقديم الإذاعى والتليفزيونى والعديد من المناصب
وهنا أقدم رؤية نقدية لديوان الشاعرة االذى يقع فى مائة وخمسين صفحة ويحمل بين طياته أربعين قصيدة محملة بقضايا الذات والواقع المحيط بها. والديوان مجموعة من  حالات شعرية متنوعة ما بين ماهو ذاتي وماهو وطني وما هو عاطفي وما هو اهتمام بالتفاصيل المحيطة . عالم الصمت والألوان ، والغيوم عوالم مهمة ومحفزة للذات الشاعرة على الكتابة. ومن أهم ملامح الإجادة داخل الديوان .
المفردات الطازجة والصور الجمالية البكر والتى لها القدرة على كسر أفق التوقع لدى المتلقى ومن بين هذه الصور النص الأول ص٩ ، عدم وجود عنوان محدد للنص ولكن الاكتفاء بالنقاط بين قوسين للتقدم وجبة دسمة من تعدد الدلالات وفتح مساحة للتأويل حول العنوان الفضفاض، أيضا فى المفتتح فى الصفحة نفسها حيث قالت: (أتذوق غيمة ..طعمها أزرق، عيناها حالمتان، وقلبها ).. هنا حيث المفتتح المدهش من حيث البناء والصورة الحداثية المبتكرة ثم يأخذنا النص إلى اللفظة متعددة الدلالة فهى تقبل التأويل المتعدد، حيث قالت: بالقلب هوَٓ ....جرم سديمى سحيق، مثلث بارمودا يمتص الحزن الرقيق، بالقلب وجع عميق .. أخفيه بالقهقهة . بأحمر شفاه غامق.. بالبحر الذي أحمله على ظهري " فهنا جملة جرم سماوي " متعددة التأويل  فهو الجرم السماوي ،وهو الجرم أى الذنب.
وفى نص اللون الشاحب  للانتظار ص١٣ حيث قالت : " نجلس كالرهبان تمجد سرها ، ذلك الطيف الذى عيناه توثقك "..مجدداَ تعود إلى الصورة والمفردة المباغتة التى تجبرك على التفكير والتدبر .
وفى نص "طلبت من الله أجنحة "ص١٧  هنا عنوان متميز من حيث المباغتة والحداثة والتى لها القدرة  على التحليق فى فضاء الخيال والتأويل . وفى النص نفسه هناك صورة وحالة متمردة جديدة وشاسعة الدلالة  ودفقة مضيئة فى جسد النص  فما أروع هذا التمرد الجميل "طلبت من الله ، أن يخلقنى  مرة أخرى على شكل غيمة ،لأسير بلا جوازات  سفر إلى عينيك " واتسمت نهاية النص بميزة النهايات المفتوحة  التى تعيدنا للنص مرة أخرى أو البحث عن النهايات  المتعددة  والقابلة للتأويل .
وفى نص " ذاكرة الأماكن " ص ٢٤ حيث الصورة المباغتة والممزوجة بدفقة شعورية  عالية "الماء ينبض بالحنين، السواقى العميقة تغرق فى تهمة العطش  " .
وفى نص " نمارس البكاء " ص ٢٧ ، حيث العنوان الموحى والدال والموظف فى خدمة الحالة الشعرية للنص . ونلمح فى النص نفسه بناءً فلسفياً  وبه إسقاط على واقعها  المعاش  ومدى صدام الذات مع  ذلك الواقع .. حينما قالت: " وحيدة عينا المرأة المليئة  يداها بالخواتم " مرتبطة بالفارق الواقع بينها وبين السماء  جسدها رقعة شطرنج ،فقدت كل جنودها "  وفى نفس النص ص ٢٨  إستخدام وتوظيف  الرمز ليعطى دلالات على الصراع  الذى يحتدم  بالذات. وعودة مرة أخرى لإستخدام الرمز  فى نفس النص والإسقاط من خلاله ص٢٩  حيث قالت: " تسكن فبرد يهيا " والإحالة هنا لفكرة توظيف الرمز فى النص الشعرى. وفى النص ص٣١ ،حيث العنوان " فى قلبى غيمة " فتتجلى الحداثة  فى أبهى صورها وفكرة إعادة إنتاج  الدلالة ..  وكان استهلال النص يشهد بناءً نثرياً  متفجر وقوى ..قلبى غيمة مثقلة بأشواقها، وأحمله وأجوب به  صمارى العطش، هى لا تريد تلك الغيمة، أن تمطر إلا عندك"
في النص ص ٥٩" العمى" وهو عنوان الكلمة الواحدة المعرفة والمقصودة  بدلالاته وتوظيفه فى خدمة النص على مستوى الدلالة . وهو نص عظيم وهائل على سبيل  اللغة الحديثة  والصور البكر غير التقليدية ، أيضا اللغة المفعمة بالرومانسية والشاعرية الحالمة. لكن أفسدته النهاية التقريرية  الفجّة التى نسفت الرؤية وأصابتها بالضيق.
وفى نص "فن الإرتباك " ص٦٩ حيث العنوان  المبتكر والذى يؤكد على عمق الرؤية وحداثتها وما أجمل تلك الإستهلالة لنص نثرى ربما ترصد من الشاعرة بعد ذلك لكن يجب أن نشير إلى روعة وسلاسة هذا البناء . وفى النص نفسه  ص٧٠ ، ما أروع  تلك الصورة الجديدة  المتحركة والتى بها إيماءات جنسية وتعجيزية فى آنٍ  واحد  "كلماتٌ  قصيرةتحتاج كعباً عاليا ،ًمن الأصوات عالياً".
وفى النص ص٧٧ "سأقتل الليل فى عينيك " هو نص الفكرة المجنونة والصورة البكرة والحالة الفضفاضة  برغم تحفظى على العنوان التصريحى المباشر
وعودة مرة أخرى إلى فكرة العناوين  الطازجة  والموحية والدالة ذات البريق والعمق  الدلالي ص٨٣ ونص "فى الضفة  الأخرى من الحلم " وأخص بالذكر المقطع الثانى الذى شهد حالة نثرية خالصة  لغة وروحا حيث قالت : " الصور التى التقطها ..وجهى لنفسه عندما نظر إلى المرآة كثيرة .. عيون شاحبة أكثر من اللازم ، جراء النظر إلى الطبيعة  المشوهة، الأسمنت يتسلق أشجار روحى ،ثم يقيم بناية بغيضة فوقى ".
ومن ملامح تمرد الذات وتضخمها كما جاء فى ص ٨٩" أنا من يمنع الشمس من السطوع ، يوثق ضرع الغيمة فلا تمطر ،تجوع الأرض كلها بسببى ،أنا من يقتل الأطفال فى  " إريتريا ،من يشحذ السيوف ،ليذبح الإنسان والحيوان هنا تتضخم الذات لتصبح ذاتا مسيطرة على العالم .
لقد قدمت الشاعرة نموذجاً جيداً من نماذج العناوين  التى تصلح  كمفتاح  مهم من مفاتيح النص وهو بعنوان "وجع الوردة "ص٩١ فهو موحى ودال وحداثى . هنا كما فى النص ص١٠٣ " مسافر " نص الحالة الطازجة والتى تتسم بالذاتية  فهى حالة بكر ذات لغة طازجة واستهلالة قوية للعقيدة " مسافرُ ..عيناه قصيدة لن تكتب ، قلبه حقيبة بلا محتويات ، كل الشغف الذى فى قلبه مات، أشاهده كل يوم من نافذة  القطار ، مرتحلا بلا توقف ،مسافر هو حتى فى جلوسه قرب أقداره"
قدمت ملمح من ملامح دالة الصورةوالمفردة  كما فى العنوان الدال  بالنص " للمرة السبعين "ص١٠٥ثم التنقل فى هذا النص مابين الصورة المباغتة التى تؤكد عمق الحالة ، وأخرى تقدم نموذج لكسر أفق التوقع لدى المتلقى ، حيث قالت : "للمرة السبعين  أواجه ضعفي فى المرآة ،ثم أهرب منه وأغطها بخرقة زرقاء " وأيضا قالت : فى ص١٠٦ " أستطيع أن أبتسم لفراشة مسحوقة الجناحين ، بينما تطير فى الحلم .....ٱلى أن قالت "على يد الطفل العابث الذى يحبها ،يحبها حد سحقها بأصابعه ".
العودة إلى فكرة  العناوين ذات المغامرة ،سواء  كانت الدلالات أو الرمز ، كما فى النص "شمس خامسة "ص١١٢ ..الذى إتسم ببداية نثرية خالصة تألقت بفضل المفردات  الحداثية غير المستهلكة  فكانت بداية جيدة  لنص عملاق ..فقالت : " أرسم عينين تتكلمان ،شفتين تسمعان  النسيم ،نبضا يشبه صوت المطر ،أرسم حنينا ضاربا ..شمسا خامسة تنمو على كف الصباح "
تنتقل فى قصائد  الديوان إلى مرحلة الفلسفة  المقصودة لإثراء الرؤية والحالة كما فى نص هدية ص١١٩ حيث قالت "إهدنى ..عينى البازغة كشمس "أوت "،البقعة البنفسجية ..التى خلقتها البرتقالة فى ثوب سوسن ..أهدنى يدى التى لا تعرف الهدوء...وتوتر ساقى عندنا أمشى وأجلس "
وكما قالت : فى نص "الحزن قدرنا "ص ١٣٠ " الحزن ناقوس كنائس القلب ..التى لم يصل فيها أحد ،مهجورة دوما يوم الأحد . الحزن عينان تضحكان بمرارة ، شنس تشرق رغما عنها كى تغادر " ثم ينقلنا قطار الفلسفة إلى النص الأخير  فى الديوان "لقاء ناقص "ص١٤١ والذى اعتبره من أهم نصوص الديوان وأنضجها ، فتفوح منه فلسفة اللقاء المرتجى لاحبة ضالة وسرد لشريط الحياة ،تلك الحياة التى تمنع ذلك اللقاء بمساعدة الموت ،وما أجمل الشعر على هذه الكيفية حين قالت فى ص١٤٤ "ينقصنى أن ألتقيك ..هاتفتك فى رقم السماء ،شكلته على غيمة طرية ،نقرتها بلطف كى تستجيب ".
ملاحظات على ديوان الشاعرة :
إشكالية العناوين مابين المبدع والسهل السطحى ..وجاء الإستسهال والمباشرة فى عناوين نصوص "أبحث عن الإنسان ،ممحاة اليأس ،سأقتل الليل فى عينيك ،موهبة الإنتظار، نبوءة الملائكة، أنا القاتلة ،قبلة الورد، إشكالية البناء التفعيلى والمعجم التفعيلى فى وسط اللغة والجمل والحالة النثرية فبدا نتوءاً شاذا ً فى جسد النص أوردة فنية على مستوى البناء والرؤية الشعرية ومن أمثلة  ذلك كما فى نصوص "طلبت من الله أجنحة ص١٨،١٧ وفى نص "قلبى غيمة "ص٣١و"حديث الأنا"ص٤٥ أيضا وجود أسئلة إنشائية  تقريرية  كما فى نص  السعى ص٦٠ونص وجع الوردة ص٩٢
عودة للبناء التفعيلى المرتد فى نص "ستظل الغيمة حبلى " ص١٢١ . هناك إشكالية الإستشهاد فى بعض الجمل واللغة السطحية  كما جاء فى نصوص "اللون الشاحب للإنتظار "ص١٦ وفى نص "نمارس البكاء" ص٢٨

تعليق عبر الفيس بوك