"جوجل".. لا تكن شريرا (2- 2)

 

أحمد الرحبي

 

لقد بينت فضيحة البرنامج المسمى صور جوجل ستريت، التي طفت على السطح في العام 2010، بجلاء حقيقة الأساليب التي ينتهجها العاملون لدى جوجل للحصول على بيانات ومعلومات شديدة الخصوصية بالنسبة إلى مستخدمي محرك البحث المدار من شركة جوجل، فلقد نصبت جوجل كاميرات فوق سيارات طافت أرجاء المعمورة، لكي تصور بواسطة الليزر، الشوارع والأزقة والمنازل والعمارات، وأعلن الكثير من المواطنين وقتذاك عن استنكارهم أن يكون بمستطاع كل من يشاء مشاهدة بيوتهم على شبكة الويب، بلا موافقة منهم، ونجحوا بالتالي، في أن تظهر صور مساكنهم وعماراتهم ضبابية غير واضحة.

بيد أنّ هذا كله كان قمة جبل الجليد فقط: فالسيّارات كانت بها معدات تسمح لها بالتعرف على الشبكات المحلية اللاسلكية WLAN غير المحصنة أي غير المحمية ضد محاولات اختراقها، ومضت جوجل على مدى عامين، تجمع كل ما تستطيع جمعه من المعمورة بفضل ما لديها من تكنولوجيا متقدمة، معلومات، جلها ترتكز على معلومات ثمينة من قبيل معرف مجموعات الخدمات (مفتاح الأمان) والرسائل الإلكترونية (الإيميلات) والدخول على صفحات الويب وكلمات السر الخاصة بمواطنين لا علم لهم بمدى انكشاف أسرارهم واستباحة سرية بياناتهم، ولقد أدان المدعي العام في مدينة نيويورك، إريك شنايدرمان، تصرفات شركة جوجل بعبارات تنم عن شديد غضبه، إذ قال: إن مراقبة جوجل سلوك ملايين الأفراد الداخلين على الويب لا تشكل اعتداء صارخا على خصوصياتهم فحسب، بل هي دليل أيضا على أن جوجل لا تستحق الثقة، ثقة خانتها ربما شركة جوجل في مجالات لصيقة بالمتصفح اليومي والمستخدم لمحرك بحثها، بتأثيرها في الانتخابات على سبيل المثال، حيث يقوم محرك جوجل حاليا بدور الوسيلة التي ينشأ عنها، هذا التأثير، الذي لا عائق يقف في وجهه، وتتبع شركة جوجل أساليب ملتوية، غامضة، يتسع مداها بشكل متسارع، ولا قدرة للسلطات الرقابية ولا للمرشحين على مراقبتها وضبطها، وتأثير التضليل الذي تمارسه محركات البحث خطير، حيث تنشر تأثيرها في ملايين الناخبين المترددين، الذين لم يحسموا مواقفهم، ومن المجالات الأخرى التي خانت فيها جوجل الثقة لدى المتصفح، هي عدم مراعات الأمانة العلمية في البحث عن الفكرة أو المعلومة، حيث أوضحت إحدى الجامعات الألمانية المرموقة: لقد تبين لنا منذ أمد ليس بالقصير، أنّ الدارسين في جامعتنا يستخدمون محرك جوجل في المقام الأول، حينما يريدون كسب فكرة عامة عن مسألة علميّة معينة، وهو ما يترتب عنه على المدى البعيد، في كافة مجالات البحثية، سيطرة ثقافة الاجترار الحرفي للنصوص، والتي تؤدي لتوقف العمل الفكري، والعمل إلى أبد الآبدين على إعادة إنتاج ما هو موجود فعلا.

ووفق ما توصلت إليه وكالة الأنباء الدولية بلومبرغ، وفّرت جوجل لنفسها خلال العام 2011 فقط، ما مجموعه مليارا يورو بفضل ما نفذت من مراوغات وحيل، وللحيلولة دون تعرض سمعتها لمثالب أكثر وإدانات متزايدة، تقمصت جوجل دور الشركة المحسنة، أي المؤسسة المتضامنة مع المنظمات غير الرسمية ودول وشركات أخرى، لكن حتى إن تظاهر قادة جوجل بحسن النية، وبأنّهم ملائكة أبرياء، هذا لا يبرئ شركة جوجل التي تترك بصماتها على حياتنا، والتي تتسلل إلى خصوصياتنا، وتصول وتجول في العالم أجمع، كما يؤكد الباحثان الألمانيان تورستن فريكه وأولريش نوفاك، في ختام كتابهما ..ملف جوجل.. وهو كتاب مترجم عن الألمانية صادر ضمن سلسلة عالم المعرفة، والذي قدما فيه بشكل استقصائي متفان، حقيقة جوجل والصورة الخفية لهذه الشركة العملاقة، التي باتت تحدد قواعد المسيرة الاقتصادية والأجندة السياسية في العالم، وتؤثر في العلوم والمنجزات العلمية، وللحد من هيمنة جوجل وغيرها من شركات الإنترنت العملاقة، يؤكد الباحثان أنّ الواجب يفرض على السياسة أن تتحرك لكسر هذه الهيمنة، لكنهما يتساءلان في نفس الوقت بخيبة أمل، أنّى لها هذا، إذا كانت هذه الشركات العملاقة، تستطيع التملص من القواعد الوطنية والتهرب من سلطات الأجهزة الرقابية، وإذا كان تشريع الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى، لقانون يضبط عمل شبكة الويب ويشدد الرقابة على شركات الإنترنت، وهما لا جدوى منه، وسرابا لا قيمة له، وذلك كما يوضح الباحثان الألمانيان، لأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تقف بالمرصاد لكل توجه من هذا القبيل، بسبب اهتمامها بحماية الشركات الأمريكية الرائدة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذات الأهمية المعتبرة بالنسبة لنشاطات أجهزة التجسس الأمريكية!.