صندوق النقد الدولي و"الإصلاحات"!

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

لو صدق ما تتناقله الأنباء عن اقتراحات صندوق النقد الدولي للسلطنة لإنعاش اقتصادها فذلك معناه انهيارًا تاما للمنظومة الاجتماعية والاقتصادية للدولة، فالصندوق يقترح - كما ورد في الخبر- تسريح عدد كبير من الموظفين، وتخفيض الرواتب بواقع 17%، والتوقف عن التوظيف الحكومي، وفرض مزيد من الضرائب المنتقاة، وفرض رسوم على الخدمات العلاجيّة، والتوقف عن التعليم المجاني في جميع مراحله!

ولو تمّ ذلك فسنجد أنفسنا - بعد حين- على بساط الفقر، فالمواطن الذي ينظر إلى السماء كي تنقذه من التحديات الاقتصادية الحالية، ويبتهل كي تعيد الحكومة إليه أمل الترقيات، ويدعو الله ليل نهار كي لا تقضي الضرائب على ما تبقى من تجارته، ويحلم بزيادة الرواتب كي تعينه على زيادة الأسعار، هذا المواطن لا يحتمل مزيدا من الأعباء.. ولا مزيدا من النصائح الأوروبية ولا الأمريكية التي تنظر إلى الأمور من زاوية رأسمالية برجماتية مادية بحتة، لا تعير احتياجات الإنسان اهتماما في سبيل الوصول إلى ما تحلم إليه من ثراء مالي حتى لو جاء ذلك على حساب الفقراء والبسطاء.

لا أظن أنّه بعد سنوات من التنمية البشرية في السلطنة أننا بحاجة إلى نصائح من الخارج لإصلاح الداخل، وأنّه لا توجد لدى المسؤولين في الحكومة حلولا ذكية، وأفكارًا ناجعة للخروج من الأزمة التي ما زلنا نعيشها، صحيح أنّ الخبرات الهائلة لصندوق النقد الدولي لا يستهان بها، ولكنّها ليست قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، ولا أظن أنّها تنظر إلى مصالح الأفراد بقدر نظرتها إلى نمو الاقتصاد بكل وسيلة ممكنة دون النظر إلى أدوات هذا التغيير وآثاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى القصير والمتوسط، ولذلك فنحن بحاجة إلى إصلاحات جذريّة وحذرةٍ في نفس الوقت في الهياكل الإدارية والمالية، ولكن ليس على حساب المواطن، وفي المقابل ليس على حساب مصالح الدولة أيضًا.. فالموازنة بين الجانبين ضرورية جدا للخروج من هذه الأزمة التي أوقعنا النفط فيها بسبب بعض الأفكار الكسولة والضيقة، ونتيجة للنظرة القصيرة المدى لبعض المسؤولين وعدم الإسراع في إنشاء البنية الأساسية للاقتصاد العماني المتنوّع، كما كان يحذّر ويوجّه لذلك صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه- في أكثر من مناسبة طيلة أكثر من أربعين عاما.

المشكلة التي وقعت فيها السلطنة - من وجهة نظر الكثيرين- أنّه لم يكن لديها طيلة السنوات الماضية "تخطيطا اقتصاديا" واضحا، وإنما اعتمدت على "رؤية مالية" قصيرة المدى، لم تراعى فيها المتغيرات السريعة للمحيط الداخلي والخارجي، وكانت معظم تلك الرؤى والحلول المالية ردود أفعال لمشكلة واقعة تجد السلطنة نفسها فيها دون أن يكون لدى الحكومة خطوط دفاع قوية تصد عن الدولة آثار الأزمات المفاجئة، إضافة إلى النمط الاستهلاكي السائد وتوجيه المصروفات لدى الحكومة والشعب معًا إلى وجهات غير إنتاجية، كما كان الاعتماد على النفط في أحلك الظروف دون أن تتحرك الحكومة سريعا لتنويع الاقتصاد من أكثر الأمور التي فاقمت الأزمة، إلى جانب أنّ البطء في التنفيذ وتعقيد الإجراءات أثّرا سلبا في هذه الأزمات التي نجد أنفسنا في مواجهة مع إحداها الآن.

لو تحركت الحكومة في أول أزمة نفطية صادفتها وأصلحت الاقتصاد، وغيّرت استراتيجيتها، ونوعت مصادر اقتصادها، لكان وضعنا أفضل اليوم، ولما لجأنا إلى حلول صندوق النقد الدوليّ. لكن مشكلة البعض أنّهم لا يستفيدون من الدرس الأول، وإنما ينتظرون دروسا كثيرة لكي يعترفوا بالمشكلة، ويبحثوا عن العلاج في الوقت الضيّق؛ حيث تقل الحلول وتكبر المشكلة، تماما كأصحاب السفينة التي تكاد تشرف على الغرق؛ حيث يهب البحارة لرمي ما يستطيعون في البحر كي ينجوا وتنجو سفينتهم، ولذلك قد تأتي الحلول متأخرة، ولكنها حتما لن تأتي من الغريب - رغم تفهمنا لمبررات التقارب مع الصندوق- ولكن أهل مكة أدرى بشعابها، ولا شك أنّ حكومتنا الرشيدة لديها بدائل للإصلاح بعيدا عن الارتهان لصندوق النقد الدولي الذي ما إن يمسك بعنق دولة حتى يكسرها دون رحمة.